للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

وَفِي الْبُخَارِيّ عَنْ عَمْرو بْن دِينَار قَالَ قُلْت لِطَاوُس لَوْ تَرَكْت الْمُخَابَرَة فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها قال إن أعلمهم يعني بن عَبَّاس أَخْبَرَنِي أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْهَ عَنْهَا وَلَكِنْ قَالَ أَنْ يَمْنَح أَحَدكُمْ أَخَاهُ أَرْضه خَيْر لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذ عَلَيْهَا خَرَاجًا مَعْلُومًا

فَإِنْ قِيلَ إِنْ كَانَ قَدْ أَنْكَرَهُ بَعْض الصَّحَابَة عَلَيْهِ فقد أقره بن عمر ورجع إليه فالجواب أولا أن بن عُمَر لَمْ يُحَرِّم الْمُزَارَعَة وَلَمْ يَذْهَب إِلَى حَدِيث رَافِع وَإِنَّمَا كَانَ شَدِيد الْوَرَع فَلَمَّا بَلَغَهُ حَدِيث رَافِع خَشِيَ أَنْ يَكُون رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْدَثَ فِي الْمُزَارَعَة شَيْئًا لَمْ يَكُنْ عَلِمَهُ فَتَرَكَهَا لِذَلِكَ

الثَّانِي وَقَدْ جَاءَ هَذَا مُصَرَّحًا بِهِ فِي الصحيحين أن بن عُمَر إِنَّمَا تَرَكَهَا لِذَلِكَ وَلَمْ يُحَرِّمهَا عَلَى النَّاس

الثَّالِث أَنَّ فِي بَعْض أَلْفَاظ حَدِيث رَافِع مَا لَا يَقُول بِهِ أَحَد وَهُوَ النَّهْي عَنْ كِرَاء الْمَزَارِع عَلَى الْإِطْلَاق

وَمَعْلُوم أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْهَ عَنْ كِرَائِهَا مُطْلَقًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ غَيْر مَحْفُوظ

الرَّابِع أَنَّهُ تَارَة يُحَدِّثهُ عَنْ بَعْض عُمُومَته وَتَارَة عَنْ سَمَاعه وَتَارَة عَنْ رَافِع بْن ظُهَيْر مَعَ اِضْطِرَاب أَلْفَاظه فَمَرَّة يَقُول نَهَى عَنْ الْجُعْل وَمَرَّة يَقُول عَنْ كِرَاء الْأَرْض وَمَرَّة يَقُول لَا يُكَارِيهَا بِثُلُثٍ وَلَا رُبُع وَلَا طَعَام مُسَمًّى كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْر أَلْفَاظه

وَإِذَا كَانَ شَأْن الْحَدِيث هَكَذَا وَجَبَ تَرْكه وَالرُّجُوع إِلَى الْمُسْتَفِيض الْمَعْلُوم مِنْ فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه مِنْ بَعْده الَّذِي لَمْ يَضْطَرِب وَلَمْ يَخْتَلِف

الْخَامِس أَنَّ مَنْ تَأَمَّلَ حَدِيث رَافِع وَجَمَعَ طُرُقه وَاعْتَبَرَ بَعْضهَا بِبَعْضٍ وَحَمَلَ مُجْمَلهَا عَلَى مُفَسَّرهَا وَمُطْلَقهَا عَلَى مُقَيَّدهَا عَلَى أَنَّ الَّذِي نَهَى عَنْهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ أَمْر بَيِّن الْفَسَاد وَهُوَ الْمُزَارَعَة الظَّالِمَة الْجَائِرَة فَإِنَّهُ قَالَ كُنَّا نُكْرِي الْأَرْض عَلَى أَنَّ لَنَا هَذِهِ وَلَهُمْ هَذِهِ فَرُبَّمَا أَخْرَجَتْ هَذِهِ وَلَمْ تُخْرِج هَذِهِ

وَفِي لَفْظ لَهُ كَانَ النَّاس يُؤَاجِرُونَ عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا عَلَى الْمَاذِيَانَات وَأَقْبَال الْجَدَاوِل وَأَشْيَاء مِنْ الزَّرْع كَمَا تَقَدَّمَ

وَقَوْله وَلَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ كِرَاء إِلَّا هَذَا فَلِذَلِكَ زَجَرَ عَنْهُ وَأَمَّا بِشَيْءٍ مَعْلُوم مَضْمُون فَلَا بَأْس وَهَذَا مِنْ أَبْيَن مَا فِي حَدِيث رَافِع وَأَصَحّه وَمَا فِيهَا مِنْ مُجْمَل أَوْ مُطْلَق أَوْ مُخْتَصَر فَيُحْمَل عَلَى هَذَا الْمُفَسَّر الْمُبَيَّن الْمُتَّفَق عَلَيْهِ لَفْظًا وَحُكْمًا

قَالَ اللَّيْث بْن سَعْد الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْر إِذَا نَظَرَ إِلَيْهِ ذُو الْبَصِيرَة بِالْحَلَالِ والحرام

<<  <  ج: ص:  >  >>