للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

فَيَالِلَّه الْعَجَب أَتَرَى هَذِهِ الْحِيلَة أَزَالَتْ تِلْكَ الْمَفْسَدَة الْعَظِيمَة وَقَلَبَتْهَا مَصْلَحَة بَعْد أَنْ كَانَتْ مَفْسَدَة وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّه سُبْحَانه عَاقَبَ أَهْل الْجَنَّة الَّذِينَ أَقْسَمُوا لَيَصْرُمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَكَانَ مَقْصُودهمْ مَنْع حَقّ الْفُقَرَاء مِنْ التَّمْر الْمُتَسَاقِط وَقْت الْحَصَاد فَلَمَّا قَصَدُوا مَنْع حَقّهمْ مَنَعَهُمْ اللَّه الثَّمَرَة جُمْلَة

وَلَا يُقَال فَالْعُقُوبَة إِنَّمَا كَانَتْ عَلَى رَدّ الِاسْتِثْنَاء وَحْده لِوَجْهَيْنِ

أَحَدهمَا أَنَّ الْعُقُوبَة مِنْ جِنْس الْعَمَل وَتَرْك الِاسْتِثْنَاء عُقُوبَته أَنْ يَعُوق وَيَنْسَى لَا إِهْلَاك مَاله بِخِلَافِ عُقُوبَة ذَنْب الْحِرْمَان فَإِنَّهَا حِرْمَان كَالذَّنْبِ

الثَّانِي أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا {أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْم عَلَيْكُمْ مِسْكِين}

وَذَنْب الْعُقُوبَة عَلَى ذَلِكَ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِهَذَا الْوَصْف مَدْخَل فِي الْعُقُوبَة لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِهِ فَائِدَة فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْعِلَّة التَّامَّة كَانَ جُزْءًا مِنْ الْعِلَّة

وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يَحْصُل المقصود

وأيضا فإن النبي قَالَ وَالْمُتَوَسِّل بِالْوَسِيلَةِ الَّتِي صُورَتهَا مُبَاحَة إِلَى الْمُحَرَّم إِنَّمَا نِيَّته الْمُحَرَّم وَنِيَّته أَوْلَى بِهِ من ظاهر عمله

وأيضا فقد روى بن بَطَّة وَغَيْره بِإِسْنَادٍ حَسَن عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أن النبي قَالَ لَا تَرْتَكِبُوا مَا اِرْتَكَبَ الْيَهُود فَتَسْتَحِلُّوا مَحَارِم اللَّه بِأَدْنَى الْحِيَل وَإِسْنَاده مِمَّا يُصَحِّحهُ الترمذي

وأيضا فإن النبي قَالَ لَعَنَ اللَّه الْيَهُود حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُوم فجملوها وباعوها وأكلوا أثمانها وجملوها يَعْنِي أَذَابُوهَا وَخَلَطُوهَا وَإِنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ لِيَزُولَ عَنْهَا اِسْم الشَّحْم وَيَحْدُث لَهَا اِسْم آخَر وَهُوَ الْوَدَك وَذَلِكَ لَا يُفِيد الْحِلّ فَإِنَّ التَّحْرِيم تَابِع لِلْحَقِيقَةِ وَهِيَ لَمْ تَتَبَدَّل بِتَبَدُّلِ الِاسْم

وَهَذَا الرِّبَا تَحْرِيمه تَابِع لِمَعْنَاهُ وَحَقِيقَته فَلَا يَزُول بِتَبَدُّلِ الِاسْم بِصُورَةِ الْبَيْع كَمَا لَمْ يَزُلْ تَحْرِيم الشَّحْم بِتَبْدِيلِ الِاسْم بِصُورَةِ الْجَمْل وَالْإِذَابَة وَهَذَا وَاضِح بِحَمْدِ اللَّه

وَأَيْضًا فَإِنَّ الْيَهُود لَمْ يَنْتَفِعُوا بِعَيْنِ الشَّحْم إِنَّمَا اِنْتَفَعُوا بِثَمَنِهِ فَيَلْزَم مَنْ وَقَفَ مَعَ صُوَر الْعُقُود وَالْأَلْفَاظ دُون مَقَاصِدهَا وَحَقَائِقهَا أَنْ يُحَرِّم ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى لَمْ يَنُصّ عَلَى تَحْرِيم الثَّمَن وَإِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ نَفْس الشَّحْم وَلَمَّا لَعَنَهُمْ عَلَى اِسْتِحْلَالهمْ الثَّمَن وَإِنْ لَمْ يَنُصّ عَلَى تَحْرِيمه دَلَّ عَلَى أَنَّ الْوَاجِب النَّظَر إِلَى الْمَقْصُود وَإِنْ اِخْتَلَفَتْ الْوَسَائِل إِلَيْهِ وَأَنَّ ذَلِكَ يُوجِب أَنْ لَا يُقْصَد الِانْتِفَاع بِالْعَيْنِ وَلَا بِبَدَلِهَا

وَنَظِير هَذَا أَنْ يُقَال لَا تَقْرَب مَال الْيَتِيم فَتَبِيعهُ وَتَأْكُل عِوَضه وَأَنْ يُقَال لَا تَشْرَب الْخَمْر فَتُغَيِّر

<<  <  ج: ص:  >  >>