للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

الرِّبَا فَهُوَ طَرِيق إِلَى الْمُحَرَّم فَكَيْف يُحْكَم بِصِحَّتِهِ وَهَذَا الْقَوْل لَا يَلِيق بِقَوَاعِد الْمَذْهَب

فَإِنْ قِيلَ فَمَا تَقُولُونَ فِيمَنْ بَاعَ سِلْعَة بِنَقْدٍ ثُمَّ اِشْتَرَاهَا بِأَكْثَر مِنْهُ نَسِيئَة قُلْنَا قَدْ نَصَّ أَحْمَد فِي رِوَايَة حَرْب عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوز إِلَّا أَنْ تَتَغَيَّر السِّلْعَة لِأَنَّ هَذَا يُتَّخَذ وَسِيلَة إِلَى الرِّبَا فَهُوَ كَمَسْأَلَةِ الْعِينَة سَوَاء وَهِيَ عَكْسهَا صُورَة وَفِي الصُّورَتَيْنِ قَدْ تَرَتَّبَ فِي ذِمَّته دَرَاهِم مُؤَجَّلَة بِأَقَلّ مِنْهَا نَقْدًا لَكِنْ فِي إِحْدَى الصُّورَتَيْنِ الْبَائِع هُوَ الَّذِي اُسْتُغِلَّتْ ذِمَّته وَفِي الصُّورَة الْأُخْرَى الْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي اُسْتُغِلَّتْ ذِمَّته فَلَا فَرْق بَيْنهمَا

وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا يَحْتَمِل أَنْ تَجُوز الصُّورَة الثَّانِيَة

إِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حِيلَة وَلَا مُوَاطَأَة بَلْ وَاقِع اِتِّفَاقًا

وَفَرَّقَ بَيْنهمَا وَبَيْن الصُّورَة الْأُولَى بِفَرْقَيْنِ

أَحَدهمَا أَنَّ النَّصّ وَرَدَ فِيهَا فَيَبْقَى مَا عَدَاهَا عَلَى أَصْل الْجَوَاز

وَالثَّانِي أَنَّ التَّوَسُّل إِلَى الرِّبَا بِتِلْكَ الصُّورَة أَكْثَر مِنْ التَّوَسُّل بِهَذِهِ

وَالْفَرْقَانِ ضَعِيفَانِ

أَمَّا الْأَوَّل فَلَيْسَ فِي النَّصّ مَا يَدُلّ عَلَى اِخْتِصَاص الْعِينَة بِالصُّورَةِ الْأُولَى حَتَّى تَتَقَيَّد بِهِ نُصُوص مُطْلَقَة عَلَى تَحْرِيم الْعِينَة

وَالْعِينَة فِعْلَة مِنْ الْعَيْن قَالَ الشَّاعِر أَنِدَّانِ أم نعتان أم ينبري لنا فتى مِثْل نَصْل السَّيْف مِيزَتْ مَضَارِبه قَالَ الْجُوزَجَانِيُّ أَنَا أَظُنّ أَنَّ الْعِينَة إِنَّمَا اُشْتُقَّتْ مِنْ حَاجَة الرَّجُل إِلَى الْعَيْن مِنْ الذَّهَب وَالْوَرِق فَيَشْتَرِي السِّلْعَة وَيَبِيعهَا بِالْعَيْنِ الَّذِي اِحْتَاجَ إِلَيْهَا وَلَيْسَتْ بِهِ إِلَى السِّلْعَة حَاجَة

وَأَمَّا الْفَرْق الثَّانِي فَكَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُعْتَبَر فِي هَذَا الْبَاب هُوَ الذَّرِيعَة وَلَوْ اُعْتُبِرَ فِيهِ الْفَرْق مِنْ الِاتِّفَاق وَالْقَصْد لَزِمَ طَرْد ذَلِكَ فِي الصُّورَة الْأُولَى وَأَنْتُمْ لَا تَعْتَبِرُونَهُ

فَإِنْ قِيلَ فَمَا تَقُولُونَ إِذَا لَمْ تُعَدْ السِّلْعَة إِلَيْهِ بَلْ رَجَعَتْ إِلَى ثَالِث هَلْ تُسَمُّونَ ذَلِكَ عِينَة قِيلَ هَذِهِ مَسْأَلَة التَّوَرُّق لِأَنَّ الْمَقْصُود مِنْهَا الْوَرِق وَقَدْ نَصَّ أَحْمَد فِي رِوَايَة أَبِي دَاوُدَ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْعِينَة وَأَطْلَقَ عَلَيْهَا اِسْمهَا

وَقَدْ اِخْتَلَفَ السَّلَف فِي كَرَاهِيَتهَا فَكَانَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز يَكْرَههَا وَكَانَ يَقُول التَّوَرُّق أُخَيَّة الرِّبَا

وَرَخَّصَ فِيهَا إِيَاس بْن مُعَاوِيَة

وَعَنْ أَحْمَد فِيهَا رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ وَعَلَّلَ الْكَرَاهَة فِي إِحْدَاهُمَا بِأَنَّهُ بَيْع مُضْطَرّ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَلِيّ أَنَّ النَّبِيّ نَهَى عَنْ الْمُضْطَرّ وَفِي الْمُسْنَد عَنْ عَلِيّ قَالَ سَيَأْتِي عَلَى النَّاس زَمَان يَعَضّ الْمُؤْمِن عَلَى مَا فِي يَده وَلَمْ يُؤْمَر بِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى {وَلَا تَنْسَوْا الْفَضْل بَيْنكُمْ} وَيُبَايِع المضطرون

<<  <  ج: ص:  >  >>