. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وقد نهى رسول الله عَنْ بَيْع الْمُضْطَرّ وَذَكَرَ الْحَدِيث
فَأَحْمَد رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْعِينَة إِنَّمَا تَقَع مِنْ رَجُل مُضْطَرّ إِلَى نَقْد لِأَنَّ الْمُوسِر يَضَنّ عَلَيْهِ بِالْقَرْضِ فَيَضْطَرّ إِلَى أَنْ يَشْتَرِي مِنْهُ سِلْعَة ثُمَّ يَبِيعهَا فَإِنْ اِشْتَرَاهَا مِنْهُ بَائِعهَا كَانَتْ عِينَة وَإِنْ بَاعَهَا مِنْ غَيْره فَهِيَ التَّوَرُّق
وَمَقْصُوده فِي الْمَوْضِعَيْنِ الثَّمَن فَقَدْ حَصَلَ فِي ذِمَّته ثَمَن مُؤَجَّل مُقَابِل الثَّمَن حَالّ أَنْقَص مِنْهُ وَلَا مَعْنَى لِلرِّبَا إِلَّا هَذَا لَكِنَّهُ رِبًا بِسَلَمٍ لَمْ يَحْصُل لَهُ مَقْصُوده إِلَّا بِمَشَقَّةٍ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدهُ كَانَ رِبًا بِسُهُولَةٍ
وَلِلْعِينَةِ صُورَة رَابِعَة وَهِيَ أُخْت صُوَرهَا وَهِيَ أَنْ يَكُون عِنْد الرَّجُل الْمَتَاع فَلَا يَبِيعهُ إِلَّا نَسِيئَة وَنَصَّ أَحْمَد عَلَى كَرَاهَة ذَلِكَ فَقَالَ الْعِينَة أَنْ يَكُون عِنْده الْمَتَاع فَلَا يَبِيعهُ إِلَّا بِنَسِيئَةٍ فَإِنْ بَاعَ بِنَسِيئَةٍ وَنَقْد فَلَا بَأْس
وَقَالَ أَيْضًا أَكْرَه لِلرَّجُلِ أَنْ لَا يَكُون لَهُ تِجَارَة غير العينة فلا يبيع بنقد
قال بن عُقَيْل إِنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ لِمُضَارَعَتِهِ الرِّبَا فَإِنَّ الْبَائِع بِنَسِيئَةٍ يَقْصِد الزِّيَادَة غَالِبًا
وَعَلَّلَهُ شَيْخنَا بن تَيْمِيَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بِأَنَّهُ يَدْخُل فِي بَيْع الْمُضْطَرّ فَإِنَّ غَالِب مَنْ يَشْتَرِي بِنَسِيئَةٍ إِنَّمَا يَكُون لِتَعَذُّرِ النَّقْد عَلَيْهِ فَإِذَا كَانَ الرَّجُل لَا يَبِيع إِلَّا بِنَسِيئَةٍ كَانَ رِبْحه عَلَى أَهْل الضَّرُورَة وَالْحَاجَة وَإِذَا بَاعَ بِنَقْدٍ وَنَسِيئَة كَانَ تَاجِرًا مِنْ التُّجَّار
وَلِلْعِينَةِ صُورَة خَامِسَة وَهِيَ أَقْبَح صُوَرهَا وَأَشَدّهَا تَحْرِيمًا وَهِيَ أَنَّ الْمُتَرَابِيَيْنِ يَتَوَاطَآنِ عَلَى الرِّبَا ثُمَّ يَعْمِدَانِ إِلَى رَجُل عِنْده مَتَاع فَيَشْتَرِيه مِنْهُ الْمُحْتَاج ثُمَّ يَبِيعهُ لِلْمُرْبِي بِثَمَنٍ حَالّ وَيَقْبِضهُ مِنْهُ ثُمَّ يَبِيعهُ إِيَّاهُ لِلْمُرْبِي بِثَمَنٍ مُؤَجَّل وَهُوَ ما اتفقا عليه ثم يُعِيد الْمَتَاع إِلَى رَبّه وَيُعْطِيه شَيْئًا وَهَذِهِ تُسَمَّى الثُّلَاثِيَّة لِأَنَّهَا بَيْن ثَلَاثَة وَإِذَا كَانَتْ السِّلْعَة بَيْنهمَا خَاصَّة فَهِيَ الثُّنَائِيَّة
وَفِي الثُّلَاثِيَّة قَدْ أَدْخَلَا بَيْنهمَا مُحَلِّلًا يَزْعُمَانِ أَنَّهُ يُحَلِّل لَهُمَا مَا حَرَّمَ اللَّه مِنْ الرِّبَا
وَهُوَ كَمُحَلِّلِ النِّكَاح
فَهَذَا مُحَلِّل الرِّبَا وَذَلِكَ مُحَلِّل الْفُرُوج وَاَللَّه تَعَالَى لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَة
بَلْ يَعْلَم خَائِنَة الْأَعْيُن وَمَا تُخْفِي الصُّدُور