للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

قَالَ الْمُعَمِّمُونَ لَا تَنَافِي بَيْن الْأَمْرَيْنِ فَإِنَّ تَعْلِيق الْحُكْم بِعُمُومِ الْمَبِيعَات مُسْتَقِلّ بِإِفَادَةِ التَّعْمِيم وَتَعْلِيقه بِالْخَاصِّ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون لِاخْتِصَاصِ الْحُكْم بِهِ فَثَبَتَ التَّعَارُض وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون لِغَرَضٍ دَعَا إِلَى التَّعْيِين مِنْ غَيْر اِخْتِصَاص الْحُكْم بِهِ إِمَّا لِحَاجَةِ الْمُخَاطَب وَإِمَّا لِأَنَّ غَالِب التِّجَارَة حِينَئِذٍ كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ فِيهِ فَخَرَجَ ذِكْر الطَّعَام مَخْرَج الْغَالِب فَلَا مَفْهُوم لَهُ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَر فَإِنَّ غَالِب تِجَارَتهمْ بِالْمَدِينَةِ كَانَتْ فِي الطَّعَام وَمَنْ عَرَفَ مَا كَانَ عَلَيْهِ الْقَوْم مِنْ سِيرَتهمْ عَرَفَ ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ ذِكْر الطَّعَام لِاخْتِصَاصِ الْحُكْم بِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ هُوَ الْأَظْهَر لَكَانَ مُحْتَمَلًا فَقَدْ تَعَارَضَ الِاحْتِمَالَانِ وَالْأَحَادِيث الْعَامَّة لَا مُعَارِض لَهَا فَتَعَيَّنَ الْقَوْل بِمُوجَبِهَا

قَالَ الْمُخَصِّصُونَ لَا يُمْكِنكُمْ الْقَوْل بِعُمُومِ الْمَنْع فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ جَوَاز التَّصَرُّف فِي غَيْر الطَّعَام قَبْل قَبْضه بِالْبَيْعِ وَهُوَ الِاسْتِبْدَال بِالثَّمَنِ قَبْل قَبْضه وَالْمُصَارَفَة عَلَيْهِ

قَالَ الْمُعَمِّمُونَ الْجَوَاب مِنْ وَجْهَيْنِ

أَحَدهمَا الْفَرْق بَيْن الثَّمَن فِي الذِّمَّة وَالْمَبِيع الْمُتَعَيَّن مِنْ وُجُوه ثَلَاثَة

أَحَدهَا أَنَّ الثَّمَن مُسْتَقِرّ فِي الذِّمَّة لَا يُتَصَوَّر تَلَفه وَالْبَيْع لَيْسَ كَذَلِكَ نَعَمْ لَوْ كَانَ الثَّمَن مُعَيَّنًا لَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمَبِيع المتعين

الثَّانِي أَنَّ بَيْع الثَّمَن هَا هُنَا إِنَّمَا هُوَ مِمَّنْ فِي ذِمَّته لَيْسَ تَبَعًا لِغَيْرِهِ فَلَوْ بَاعَ الثَّمَن قَبْل الْقَبْض لِغَيْرِ مَنْ هُوَ فِي ذِمَّته لَمْ يَجُزْ فِي أَحَد قَوْلَيْ الشَّافِعِيّ وَهُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ الرَّافِعِيّ وَغَيْره مِنْ أَصْحَابه

الثَّالِث أَنَّ الْعِلَل الَّتِي لِأَجْلِهَا اِمْتَنَعَ الْعَقْد عَلَى الْمَبِيع قَبْل قَبْضه مُنْتَفِيَة فِي الثَّمَن بِأَسْرِهَا

فَإِنَّ الْمَآخِذ ثَلَاثَة إِمَّا عَدَم اِسْتِقْرَار الْمَبِيع وَكَوْنه عُرْضَة لِلتَّلَفِ وَانْفِسَاخ الْعَقْد وَهَذِهِ الْعِلَّة مَأْمُونَة بِكَوْنِ الثَّمَن فِي الذِّمَّة

وَأَمَّا إِنْ عَلَّقَ الْبَائِع لَمْ تَنْقَطِع عَنْ الْمَبِيع وَهَذِهِ الْعِلَّة أَيْضًا مُنْتَفِيَة هَا هُنَا وَإِمَّا أَنَّهُ عُرْضَة لِلرِّبْحِ وَهُوَ مَضْمُون عَلَى الْبَائِع فَيُؤَدِّي إِلَى رِبْح مَا لَمْ يُضْمَن

وَهَذِهِ الْعِلَّة أَيْضًا مُنْتَفِيَة فِي الثَّمَن فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَجُوز لَهُ الِاسْتِبْدَال بِهِ بِسِعْرِ يَوْمه كَمَا شَرَطَهُ النَّبِيّ لِئَلَّا يَرْبَح فِيمَا لَمْ يَضْمَن

وَلَا يُمْكِن أَنْ يُقَال مِثْل هَذَا فِي السِّلَع لِأَنَّهُ إِنَّمَا اِشْتَرَاهَا لِلرِّبْحِ فَلَوْ مَنَعْنَاهُ مِنْ بَيْعهَا إِلَّا بِمِثْلِ الثَّمَن لَمْ يَكُنْ فِي الشِّرَاء فَائِدَة بِخِلَافِ الْأَثْمَان فَإِنَّهَا لَمْ تُوضَع لِذَلِكَ وإنما وضعت رؤوسا لِلْأَمْوَالِ لَا مَوْرِدًا لِلْكَسْبِ وَالتِّجَارَة

قَالَ الْمُخَصِّصُونَ قَدْ سَلَّمْتُمْ نُفُوذ الْعِتْق قَبْل الْقَبْض وَهُوَ تَصَرُّف يُزِيل الْمِلْك فَمَا الْفَرْق بَيْنه وَبَيْن الْبَيْع النَّاقِل لِلْمِلْكِ

<<  <  ج: ص:  >  >>