للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومسلم والنسائي وبن ماجه

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

فَهِيَ مَضْمُونَة عَلَى الْبَائِع إِذَا اِحْتَاجَتْ إِلَى سَقْي اِتِّفَاقًا

وَإِنْ تَلِفَتْ بِجَائِحَةٍ فَهِيَ مَضْمُونَة عَلَيْهِ وَلَهُ

وَلِهَذَا لَمَّا رَأَى أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيُّ ضَعْف هَذَيْنِ التَّعْلِيلَيْنِ قَالَ لَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ وَالْمُعْتَمَد فِي بُطْلَان الْبَيْع إِنَّمَا هُوَ الْإِخْبَار فَالشَّافِعِيّ يَمْنَع التَّصَرُّف فِي الْمَبِيع قَبْل قَبْضه وَيَجْعَلهُ مِنْ ضَمَان الْبَائِع مُطْلَقًا وَهُوَ رِوَايَة عَنْ أَحْمَد وَأَبِي حَنِيفَة كَذَلِكَ إِلَّا فِي الْعَقَار

وَأَمَّا مَالِك وَأَحْمَد فِي الْمَشْهُور مِنْ مَذْهَبه فَيَقُولَانِ مَا يُمَكَّن الْمُشْتَرِي مِنْ قَبْضه وَهُوَ الْمُتَعَيَّن بِالْعَقْدِ فَهُوَ مِنْ ضَمَان الْمُشْتَرِي وَمَالِك وَأَحْمَد يُجَوِّزَانِ التَّصَرُّف فِيهِ وَيَقُولَانِ الْمُمَكَّن مِنْ الْقَبْض جَارٍ مَجْرَى الْقَبْض عَلَى تَفْصِيل فِي ذَلِكَ

فَظَاهِر مَذْهَب أَحْمَد أَنَّ النَّاقِل لِلضَّمَانِ إِلَى الْمُشْتَرِي هُوَ التَّمَكُّن مِنْ الْقَبْض لَا نَفْسه وَكَذَلِكَ ظَاهِر مَذْهَبه أَنَّ جَوَاز التَّصَرُّف فِيهِ لَيْسَ مُلَازِمًا لِلضَّمَانِ وَلَا مُبْتَنِيًا عَلَيْهِ وَمَنْ ظَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابه فَقَدْ وَهَمَ فَإِنَّهُ يَجُوز التَّصَرُّف حَيْثُ يَكُون مِنْ ضَمَان الْبَائِع كَمَا ذَكَرْنَا فِي الثَّمَن وَمَنَافِع الْإِجَارَة وَبِالْعَكْسِ أَيْضًا كَمَا فِي الصُّبْرَة الْمُعَيَّنَة

وَقَدْ نَصَّ الْخِرَقِيّ عَلَى هَذَا وَهَذَا فَقَالَ فِي الْمُخْتَصَر وَإِذَا وَقَعَ الْمَبِيع عَلَى مَكِيل أَوْ مَوْزُون أَوْ مَعْدُود فَتَلِفَ قَبْل قَبْضه

فَهُوَ مِنْ مَال الْبَائِع

ثُمَّ قَالَ وَمَنْ اِشْتَرَى مَا يَحْتَاج إِلَى بَيْعه لَمْ يَجُزْ بَيْعه حَتَّى يَقْبِضهُ

ثُمَّ قَالَ وَمَنْ اِشْتَرَى صُبْرَة طَعَام لَمْ يَبِعْهَا حَتَّى يَنْقُلهَا

فَالصُّبْرَة مَضْمُونَة عَلَى الْمُشْتَرِي بِالتَّمَكُّنِ وَالتَّخْلِيَة اِتِّفَاقًا وَمَعَ هَذَا لَا يَبِيعهَا حَتَّى يَقْبِضهَا وَهَذَا مَنْصُوص أَحْمَد

فَالْمَأْخَذ الصَّحِيح فِي الْمَسْأَلَة أَنَّ النَّهْي مُعَلَّل بِعَدَمِ تَمَام الِاسْتِيلَاء وَعَدَم اِنْقِطَاع عَلَاقَة الْبَائِع عَنْهُ فَإِنَّهُ يَطْمَع فِي الْفَسْخ وَالِامْتِنَاع مِنْ الْإِقْبَاض إِذَا رَأَى الْمُشْتَرِي قَدْ رَبِحَ فِيهِ وَيَغُرّهُ الرِّبْح وَتَضِيق عَيْنه مِنْهُ وَرُبَّمَا أَفْضَى إِلَى التَّحَيُّل عَلَى الْفَسْخ وَلَوْ ظُلْمًا وَإِلَى الْخِصَام وَالْمُعَادَاة وَالْوَاقِع شَاهِد بِهَذَا

فَمِنْ مَحَاسِن الشَّرِيعَة الْكَامِلَة الْحَكِيمَة مَنْع الْمُشْتَرِي مِنْ التَّصَرُّف فِيهِ حَتَّى يَتِمّ اِسْتِيلَاؤُهُ عَلَيْهِ وَيَنْقَطِع عَنْ الْبَائِع وَيَنْفَطِم عَنْهُ فَلَا يَطْمَع فِي الْفَسْخ وَالِامْتِنَاع مِنْ الْإِقْبَاض وَهَذَا مِنْ الْمَصَالِح الَّتِي لَا يُهْمِلهَا الشَّارِع حَتَّى إِنَّ مَنْ لَا خِبْرَة لَهُ مِنْ التُّجَّار بِالشَّرْعِ يَتَحَرَّى ذَلِكَ وَيَقْصِدهُ لِمَا فِي ظَنّه مِنْ الْمَصْلَحَة وَسَدّ بَاب الْمَفْسَدَة

وَهَذِهِ الْعِلَّة أَقْوَى مِنْ تَيْنِك الْعِلَّتَيْنِ

وَعَلَى هَذَا فَإِذَا بَاعَهُ قَبْل قَبْضه مِنْ بَائِعه جَازَ عَلَى الصَّحِيح لِانْتِفَاءِ هَذِهِ الْعِلَّة

<<  <  ج: ص:  >  >>