. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
مُقَابَلَة مَا أَحْدَثَهُ مِنْ الْعِمَارَة
وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَة أَيْضًا فَالنَّقْض مُنْدَفِع
وَالثَّالِثَة أَنَّهُ يَجُوز أَنْ يُؤَجِّرهَا بِأَكْثَر مِمَّا اِسْتَأْجَرَهَا مُطْلَقًا وَهَذَا مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَهَذِهِ الرِّوَايَة أَصَحّ
فَإِنَّ الْمُسْتَأْجِر لَوْ عَطَّلَ الْمَكَان وَأَتْلَفَ مَنَافِعه بَعْد قَبْضه لَتَلِفَ مِنْ ضَمَانه لِأَنَّهُ قَبَضَهُ الْقَبْض التَّامّ
وَلَكِنْ لَوْ اِنْهَدَمَتْ الدَّار لَتَلِفَتْ مِنْ مَال الْمُؤَجِّر لِزَوَالِ مَحَلّ الْمَنْفَعَة فَالْمَنَافِع مَقْبُوضَة
وَلِهَذَا لَهُ اِسْتِثْنَاؤُهَا بِنَفْسِهِ وَبِنَظِيرِهِ وَإِيجَارهَا وَالتَّبَرُّع بِهَا وَلَكِنَّ كَوْنهَا مَقْبُوضَة مَشْرُوط بِبَقَاءِ الْعَيْن
فَإِذَا تَلِفَتْ الْعَيْن زَالَ مَحَلّ الِاسْتِيفَاء فَكَانَتْ مِنْ ضَمَان الْمُؤَجِّر
وَسِرّ الْمَسْأَلَة أَنَّهُ لَمْ يَرْبَح فِيمَا لَمْ يَضْمَن وَإِنَّمَا هُوَ مَضْمُون عَلَيْهِ بالأجرة
وأما قوله وَلَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدك فَمُطَابِق لِنَهْيِهِ عَنْ بَيْع الْغَرَر لِأَنَّهُ إِذَا بَاعَ مَا لَيْسَ عِنْده فَلَيْسَ هُوَ عَلَى ثِقَة مِنْ حُصُوله بَلْ قَدْ يَحْصُل لَهُ وَقَدْ لَا يَحْصُل فَيَكُون غَرَرًا كَبَيْعِ الْآبِق وَالشَّارِد وَالطَّيْر فِي الْهَوَاء وَمَا تَحْمِل نَاقَته وَنَحْوه
قَالَ حَكِيم بْن حِزَام يَا رَسُول اللَّه الرَّجُل يَأْتِينِي يَسْأَلنِي الْبَيْع لَيْسَ عِنْدِي فَأَبِيعهُ مِنْهُ ثُمَّ أَمْضِي إِلَى السُّوق فَأَشْتَرِيه وَأُسْلِمهُ إِيَّاهُ
فَقَالَ لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدك
وَقَدْ ظَنَّ طَائِفَة أَنَّ السَّلَم مَخْصُوص مِنْ عُمُوم هَذَا الْحَدِيث فَإِنَّهُ بَيْع مَا لَيْسَ عِنْده
وَلَيْسَ كَمَا ظَنُّوهُ
فَإِنَّ الْحَدِيث إِنَّمَا تَنَاوَلَ بَيْع الْأَعْيَان وَأَمَّا السَّلَم فَعَقْد عَلَى مَا فِي الذِّمَّة بَلْ شَرْطه أَنْ يَكُون فِي الذِّمَّة فَلَوْ أَسْلَمَ فِي مُعَيَّن عِنْده كَانَ فَاسِدًا وَمَا فِي الذِّمَّة مَضْمُون مُسْتَقِرّ فِيهَا
وَبَيْع مَا لَيْسَ عِنْده إِنَّمَا نُهِيَ عَنْهُ لِكَوْنِهِ غَيْر مَضْمُون عَلَيْهِ وَلَا ثَابِت فِي ذِمَّته وَلَا فِي يَده
فَالْمَبِيع لَا بُدّ أَنْ يَكُون ثَابِتًا فِي ذِمَّة الْمُشْتَرِي أَوْ فِي يَده
وَبَيْع مَا لَيْسَ عِنْده لَيْسَ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا
فَالْحَدِيث بَاقٍ عَلَى عُمُومه
فَإِنْ قِيلَ فَأَنْتُمْ تُجَوِّزُونَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يَبِيع الْمَغْصُوب لِمَنْ يَقْدِر عَلَى اِنْتِزَاعه مِنْ غَاصِبِيهِ وَهُوَ بَيْع مَا لَيْسَ عِنْده قِيلَ لَمَّا كَانَ الْبَائِع قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمه بِالْبَيْعِ وَالْمُشْتَرِي قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمه مِنْ الْغَاصِب فَكَأَنَّهُ قَدْ بَاعَهُ مَا هُوَ عِنْده وَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ مَالًا وَهُوَ عِنْد الْمُشْتَرِي وَتَحْت يَده وَلَيْسَ عِنْد الْبَائِع
وَالْعِنْدِيَّة هُنَا لَيْسَتْ عِنْدِيَّة الْحِسّ وَالْمُشَاهَدَة فَإِنَّهُ يَجُوز أَنْ يَبِيعهُ مَا لَيْسَ تَحْت يَده وَمُشَاهَدَته وَإِنَّمَا هِيَ عِنْدِيَّة الْحُكْم وَالتَّمْكِين
وَهَذَا وَاضِح وَلِلَّهِ الْحَمْد