وَهَذِهِ الْعُلَمَاءُ الَّذِينَ نَقَلْتُ عِبَارَاتِهِمْ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ بَلِ اخْتَلَفَتْ أَقْوَالُهُمْ فَذَهَبَتِ الْأَئِمَّةُ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ حَرُمَ قَلِيلُهُ وَهُوَ فِي الْمَائِعَاتِ دُونَ الْجَامِدَاتِ وَهَكَذَا فِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْجَامِدَةِ الْمُضِرَّةِ فِي الْعَقْلِ أَوْ غَيْرِهِ يَحْرُمُ تَنَاوُلُ الْقَدْرِ الْمُضِرِّ مِنْهَا دُونَ الْقَلِيلِ النَّافِعِ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا لَيْسَتْ لِعَيْنِهَا بَلْ لِضَرَرِهَا فَيَحْرُمُ عِنْدَهُمُ اسْتِعْمَالُ الْقَدْرِ الْمُسْكِرِ مِنَ الْجَامِدَاتِ دُونَ الْقَلِيلِ مِنْهَا
وَأَمَّا بن رَسْلَانَ فَصَرَّحَ بِلَفْظِ التَّمْرِيضِ فَقَالَ وَيُقَالُ إِنَّ الزَّعْفَرَانَ يُسْكِرُ
وَقَالَ الطِّيبِيُّ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يستدل به على تحريم البنج
وقال بن دَقِيقِ الْعِيدِ فِي الْجَوْزَةِ إِنَّهَا مُسْكِرَةٌ
وَقَالَ الْأَرْدُبِيلِيُّ إِنَّ الْجَوْزَ الْهِنْدِيَّ وَالزَّعْفَرَانَ وَنَحْوَهُمَا يَحْرُمُ الْكَثِيرُ مِنْهُ لِإِضْرَارِهِ لَا لِكَوْنِهِ مُسْكِرًا
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ قُطْبٍ الْقَسْطَلَّانِيُّ الْجَوْزُ الطِّيبُ وَالزَّعْفَرَانُ وَالْبَنْجُ وَالْأَفْيُونُ هَذِهِ كُلُّهَا مِنَ الْمُسْكِرَاتِ الْمُخَدِّرَاتِ
وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ إِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تَحْرُمُ إِلَّا لِمَضَرَّتِهَا الْعَقْلَ وَدُخُولِهَا فِي الْمُفَتِّرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ
وَقَالَ الْقَزْوِينِيُّ الزَّعْفَرَانُ الزَّائِدُ عَلَى الدِّرْهَمِ سُمٌّ قَاتِلٌ
قُلْتُ وَالصَّحِيحُ مِنْ هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ قَوْلُ الْعَلَّامَةِ الْأَرْدُبِيلِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ وَقَدْ أَطْنَبَ الكلام وأفرط فيه الشيخ الفقيه بن حَجَرٍ الْمَكِّيُّ فِي كِتَابِهِ الزَّوَاجِرُ عَنِ اقْتِرَافِ الْكَبَائِرِ فَقَالَ الْكَبِيرَةُ السَّبْعُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ أَكْلُ الْمُسْكِرِ الطَّاهِرِ كَالْحَشِيشَةِ وَالْأَفْيُونِ وَالشَّيْكَرَانِ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ الْبَنْجُ وَكَالْعَنْبَرِ وَالزَّعْفَرَانِ وَجَوْزَةِ الطِّيبِ فَهَذِهِ كُلُّهَا مُسْكِرَةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي بَعْضِهَا وَغَيْرُهُ فِي بَاقِيهَا وَمُرَادُهُمْ بِالْإِسْكَارِ هُنَا تَغْطِيَةُ الْعَقْلِ لَا مَعَ الشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ لِأَنَّهَا مِنْ خُصُوصِيَّاتِ الْمُسْكِرِ الْمَائِعِ وَبِمَا قَرَّرْتُهُ فِي مَعْنَى الْإِسْكَارِ فِي هَذِهِ المذكرات عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُنَافِي أَنَّهَا تُسَمَّى مُخَدِّرَةً وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا مُسْكِرَةٌ أَوْ مُخَدِّرَةٌ فَاسْتِعْمَالُهَا كَبِيرَةٌ وَفِسْقٌ كَالْخَمْرِ فَكُلُّ مَا جَاءَ فِي وَعِيدِ شَارِبِهَا يَأْتِي فِي مُسْتَعْمِلِ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي إِزَالَةِ الْعَقْلِ الْمَقْصُودِ لِلشَّارِعِ بَقَاؤُهُ فَكَانَ فِي تَعَاطِي مَا يُزِيلُهُ وَعِيدُ الْخَمْرِ
وَالْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِ كُلِّ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَأَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفَتِّرٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute