قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُفَتِّرُ كُلُّ مَا يُورِثُ الْفُتُورَ وَالْخَدَرَ فِي الْأَطْرَافِ وَهَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ كُلُّهَا تُسْكِرُ وتخدر وتفتر
وحكى القرافي وبن تَيْمِيَّةَ الْإِجْمَاعَ عَلَى تَحْرِيمِ الْحَشِيشَةِ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ قَوْلًا أَنَّ النَّبَاتَ الَّذِي فِيهِ شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ يجب فيه الحد
وصرح بن دَقِيقِ الْعِيدِ أَنَّ الْجَوْزَةَ مُسْكِرَةٌ وَنَقَلَهُ عَنْهُ المتأخرون من الشافعية والمالكية واعتمدوه
وبالغ بن الْعِمَادِ فَجَعَلَ الْحَشِيشَةَ مَقِيسَةً عَلَى الْجَوْزَةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا حُكِيَ عَنِ الْقَرَافِيِّ نَقْلًا عَنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ فَرَّقَ فِي إِسْكَارِ الْحَشِيشَةِ بَيْنَ كَوْنِهَا وَرَقًا أَخْضَرَ فَلَا إِسْكَارَ فِيهَا بِخِلَافِهَا بَعْدَ التَّحْمِيصِ فَإِنَّهَا تُسْكِرُ قَالَ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِجَوْزَةِ الطِّيبِ وَالزَّعْفَرَانِ وَالْعَنْبَرِ وَالْأَفْيُونِ وَالْبَنْجِ وَهُوَ مِنَ الْمُسْكِرَاتِ المخدارت ذكر ذلك بن الْقَسْطَلَّانِيِّ انْتَهَى
فَتَأَمَّلْ تَعْبِيرَهُ بِالصَّوَابِ وَجَعْلَهُ الْحَشِيشَةَ الَّتِي أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِهَا مَقِيسَةً عَلَى الْجَوْزَةِ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا مِرْيَةَ فِي تَحْرِيمِ الْجَوْزَةِ لِإِسْكَارِهَا أَوْ تَخْدِيرِهَا
وَقَدْ وَافَقَ الْمَالِكِيَّةَ وَالشَّافِعِيَّةَ عَلَى إِسْكَارِهَا الْحَنَابِلَةُ فَنَصَّ إِمَامُ مُتَأَخِّرِيهِمِ بن تَيْمِيَّةَ وَتَبِعُوهُ عَلَى أَنَّهَا مُسْكِرَةٌ وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ بَعْضِ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ فَفِي فَتَاوَى الْمَرْغِينَانِيِّ الْمُسْكِرُ مِنَ الْبَنْجِ وَلَبَنِ الرِّمَاكِ أَيْ أُنَاثَى الْخَيْلِ حَرَامٌ وَلَا يُحَدُّ شَارِبُهُ انْتَهَى
وَقَدْ علمت من كلام بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْجَوْزَةَ كَالْبَنْجِ فَإِذَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ بِإِسْكَارِهِ لَزِمَهُمُ الْقَوْلُ بِإِسْكَارِ الْجَوْزَةِ
فَثَبَتَ بِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهَا حَرَامٌ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ بِالنَّصِّ وَالْحَنَفِيَّةِ بِالِاقْتِضَاءِ لِأَنَّهَا إِمَّا مُسْكِرَةٌ أَوْ مُخَدِّرَةٌ
وَأَصْلُ ذَلِكَ فِي الْحَشِيشَةِ الْمَقِيسَةِ عَلَى الْجَوْزَةِ
وَالَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي كِتَابِهِ التَّذْكِرَةِ وَالنَّوَوِيُّ في شرح المهذب وبن دَقِيقِ الْعِيدِ أَنَّهَا مُسْكِرَةٌ
وَقَدْ يَدْخُلُ فِي حدهم السَّكْرَانِ بِأَنَّهُ الَّذِي اخْتَلَّ كَلَامُهُ الْمَنْظُومُ وَانْكَشَفَ سِرُّهُ الْمَكْتُومُ أَوِ الَّذِي لَا يَعْرِفُ السَّمَاءَ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا الطُّولَ مِنَ الْعَرْضِ ثُمَّ نُقِلَ عَنِ الْقَرَافِيِّ أَنَّهُ خَالَفَ فِي ذَلِكَ فَنَفَى عَنْهَا الْإِسْكَارَ وَأَثْبَتَ لَهَا الْإِفْسَادَ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ
وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى إِسْكَارِهَا أَيْضًا العلماء بالنبات من الأطباء وكذلك بن تَيْمِيَّةَ وَالْحَقُّ فِي ذَلِكَ خِلَافُ الْإِطْلَاقَيْنِ إِطْلَاقِ الْإِسْكَارِ وَإِطْلَاقِ الْإِفْسَادِ وَذَلِكَ أَنَّ الْإِسْكَارَ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ تَغْطِيَةِ الْعَقْلِ وَهَذَا إِطْلَاقٌ أَعَمُّ وَيُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ تَغْطِيَةُ الْعَقْلِ مَعَ نَشْوَةٍ وَطَرَبٍ وَهَذَا