للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بِقَوْلِهِ إِنَّ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ وَمَا قَالَ إِنَّ مَا أَفْتَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ أَوْ مَا خَدَّرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ وَالسُّكُوتُ عَنِ الْبَيَانِ فِي وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يجوز فذكر النبي حُرْمَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ ثُمَّ فِي ذِكْرِهِ لِحُرْمَةِ قَلِيلٍ مِنَ الْمُسْكِرِ وَعَدَمِ ذِكْرِهِ لِحُرْمَةِ قَلِيلٍ مِنَ الْمُفَتِّرِ وَالْمُخَدِّرِ أَبْيَنُ دَلِيلٍ وَأَصْرَحُ بَيَانٍ عَلَى أَنَّ حُكْمَ قَلِيلٍ مِنَ الْمُفَتِّرِ وَحُكْمَ قَلِيلٍ مِنَ الْمُخَدِّرِ غَيْرُ حُكْمِ قَلِيلٍ مِنَ الْمُسْكِرِ فَإِنَّ قَلِيلًا مِنَ الْمُسْكِرِ يَحْرُمُ وَقَلِيلًا مِنَ الْمُخَدِّرِ وَالْمُفَتِّرِ لَا يَحْرُمُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

وَقَوْلُهُ إِنَّ الْإِسْكَارَ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ تَغْطِيَةِ الْعَقْلِ وَهَذَا إِطْلَاقٌ أَعَمُّ

قُلْتُ إِنْ أَرَادَ بِتَغْطِيَةِ الْعَقْلِ وفتر الأعضاء واسترخائها فَهُوَ يُسَمَّى مُخَدِّرًا وَلَا يُسَمَّى بِمُسْكِرٍ وَإِنْ أراد بتغطية العقل مخامرة العقل بحيث لايستطيع الإنسان العمل بموجب عقله ولا يتميز بَيْنَ الْأُمُورِ الْحَسَنَةِ وَالْقَبِيحَةِ فَهُوَ يُسَمَّى مُسْكِرًا وَلَا يُسَمَّى مُخَدِّرًا

وَقَوْلُهُ فَعَلَى الْإِطْلَاقِ الْأَوَّلِ بَيْنَ الْمُسْكِرِ وَالْمُخَدِّرِ عُمُومٌ مُطْلَقٌ

قُلْتُ إِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمُسْكِرَ غَيْرُ الْمُخَدِّرِ فَلَا يُقَالُ بَيْنَهُمَا عُمُومٌ مُطْلَقٌ فَإِنَّ النُّعَاسَ مُقَدِّمَةُ النَّوْمِ فَمَنْ نَعَسَ لَا يُقَالُ لَهُ إِنَّهُ نَائِمٌ فَلَيْسَ كُلُّ مُخَدِّرٍ مُسْكِرًا كَمَا لَيْسَ كُلُّ مسكر مخدرا ويؤيده ما أخرجه بن رَاهْوَيْهِ كَمَا فِي كَنْزِ الْعُمَّالِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ وَهْبٍ الْخَوْلَانِيِّ قَالَ كُنْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِالشَّامِ فَقَالَ أَهْلُ الذِّمَّةِ إِنَّكَ كَلَّفْتَنَا وَفَرَضْتَ عَلَيْنَا أَنْ نَرْزُقَ الْمُسْلِمِينَ الْعَسَلَ وَلَا نَجِدُهُ فَقَالَ عُمَرُ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ إِذَا دَخَلُوا أَرْضًا فَلَمْ يُوَطَّنُوا فِيهَا اشْتَدَّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَشْرَبُوا الْمَاءَ الْقَرَاحَ فَلَا بُدَّ لَهُمْ مِمَّا يُصْلِحُهُمْ فَقَالُوا إِنَّ عِنْدَنَا شَرَابًا نُصْلِحُهُ مِنَ الْعِنَبِ شَيْئًا يُشْبِهُ الْعَسَلَ قَالَ فَأَتَوْا بِهِ فَجَعَلَ يَرْفَعُهُ بِأُصْبُعِهِ فَيَمُدُّهُ كَهَيْئَةِ الْعَسَلِ فَقَالَ كَأَنَّ هَذَا طِلَاءَ الْإِبِلِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ ثُمَّ خَفَضَ فَشَرِبَ مِنْهُ وَشَرِبَ أَصْحَابُهُ وَقَالَ مَا أَطْيَبَ هَذَا فَارْزُقُوا الْمُسْلِمِينَ مِنْهُ فَأَرْزَقُوهُمْ مِنْهُ فَلَبِثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ إِنَّ رَجُلًا خَدِرَ مِنْهُ فَقَامَ الْمُسْلِمُونَ فَضَرَبُوهُ بِنِعَالِهِمْ وَقَالُوا سَكْرَانُ فَقَالَ الرَّجُلُ لَا تَقْتُلُونِي فَوَاللَّهِ مَا شَرِبْتُ إِلَّا الَّذِي رَزَقَنَا عُمَرُ فَقَامَ عُمَرُ بَيْنَ ظَهْرَانَيِ النَّاسِ فَقَالَ ياأيها النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ لَسْتُ أُحِلُّ حَرَامًا ولا أحرم حلالا وإن رسول الله قُبِضَ فَرُفِعَ الْوَحْيُ فَأَخَذَ عُمَرُ بِثَوْبِهِ فَقَالَ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذَا أَنْ أُحِلَّ لَكُمْ حَرَامًا فَاتْرُكُوهُ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَدْخُلَ النَّاسُ فِيهِ مُدْخَلًا وَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ الله يَقُولُ كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ فَدَعُوهُ

فَهَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ فَرَّقَ بَيْنَ السُّكْرِ وَالْخَدَرِ وَمَا زَجَرَ لِلرَّجُلِ الَّذِي تَخَدَّرَ بَعْدَ شُرْبِ الطِّلَاءِ قَائِلًا بِأَنَّكَ شَرِبْتَ الْمُسْكِرَ بَلْ قَالَ لِلضَّارِبِينَ لَهُ اتْرُكُوهُ ثُمَّ قال عمر سمعت رسول الله يَقُولُ كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ

وَلَمَّا كَانَ عِنْدَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْفَرْقُ بَيْنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>