للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

السكر والخدر أمر محققا قَالَ هَذَا الْقَوْلَ وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا إِطْلَاقًا وَعَلَى أَنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَلَيْسَ كُلُّ مُخَدِّرٍ حَرَامًا فَهَذَا الْأَثَرُ وَاسْتِدْلَالُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ السُّكْرِ وَالْخَدَرِ إِطْلَاقًا وَعَلَى أَنَّ الْحُرْمَةَ لَيْسَتْ مُشْتَرِكَةً بَيْنَ الْمُسْكِرِ وَالْمُخَدِّرِ وَإِنَّمَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْمُخَدِّرَ لَيْسَ كَالْمُسْكِرِ فِي الْحُرْمَةِ لِعَدَمِ بُلُوغِهِ الْخَبَرَ وَهُوَ نَهْيُ رَسُولِ اللَّهِ لَهُ عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفَتِّرٍ أَوْ لِعَدَمِ صِحَّةِ هَذَا الْخَبَرِ عِنْدَهُ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَرَّقَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَيْنَ الْمُخَدِّرِ وَالْمُسْكِرِ وَإِنْ كَانَ الْمُخَدِّرُ عِنْدَهُ مُسْكِرًا لَمَا سَكَتَ عَنِ الرَّجُلِ وَلَمَا أَمَرَ بِتَرْكِ ضَرْبِهِ

وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مُخْتَصَرًا مِنْ طَرِيقِ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى بَعْضِ عُمَّالِهِ أَنِ ارْزُقِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الطِّلَاءِ مَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ

وَأَخْرَجَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ حَدِيثَ شُرْبِ الطِّلَاءِ بِنَحْوٍ آخَرَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ عُمَرَ بن الخطاب حين قدم الشام فشكى إِلَيْهِ أَهْلُ الشَّامِ وَبَاءَ الْأَرْضِ وَثِقَلَهَا وَقَالُوا لَا يُصْلِحُنَا إِلَّا هَذَا الشَّرَابُ فَقَالَ عُمَرُ اشْرَبُوا الْعَسَلَ فَقَالُوا لَا يُصْلِحُنَا الْعَسَلُ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ هَلْ لَكَ أَنْ تَجْعَلَ لَنَا مِنْ هَذَا الشَّرَابِ شَيْئًا لَا يُسْكِرُ قَالَ نَعَمْ فَطَبَخُوهُ حَتَّى ذَهَبَ مِنْهُ الثُّلُثَانِ وَبَقِيَ الثُّلُثُ فَأَتَوْا بِهِ عُمَرَ فَأَدْخَلَ فِيهِ عُمَرُ أُصْبُعَهُ ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ فَتَبِعَهَا يَتَمَطَّطُ فَقَالَ هَذَا الطِّلَاءُ هَذَا مِثْلُ طِلَاءِ الْإِبِلِ فَأَمَرَهُمْ عُمَرُ أَنْ يَشْرَبُوهُ فَقَالَ لَهُ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ أَحْلَلْتَهَا وَاللَّهِ فَقَالَ عُمَرُ كَلَّا وَاللَّهِ اللَّهُمَّ إِنِّي لَا أُحِلُّ لَهُمْ شَيْئًا حَرَّمْتَهُ عَلَيْهِمْ وَلَا أُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ شَيْئًا أَحْلَلْتَهُ لَهُمْ انْتَهَى

قُلْتُ الطِّلَاءُ بِكَسْرِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمَدِّ هُوَ مَا طُبِخَ مِنَ الْعَصِيرِ حَتَّى يَغْلُظَ وَشُبِّهَ بِطِلَاءِ الْإِبِلِ وَهُوَ الْقَطِرَانُ الَّذِي يُطْلَى بِهِ الْجَرَبُ كَذَا فِي مُقَدِّمَةِ الْفَتْحِ

وَهَذَا الْأَثَرُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الَّذِي أَحَلَّهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الطِّلَاءِ وَالْمُثَلَّثُ الْعِنَبِيُّ مَا لَمْ يَكُنْ يَبْلُغُ حَدَّ الْإِسْكَارِ وَالتَّخْدِيرُ عِنْدَهُ لَيْسَ فِي حُكْمِ الْإِسْكَارِ فَلِذَا شَرِبَ عُمَرُ بِنَفْسِهِ الطِّلَاءَ وَأَمَرَ إِلَى عُمَّالِهِ أَنِ ارْزُقِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الطِّلَاءِ وَمَا زَجَرَ الرَّجُلَ الَّذِي حَصَلَ لَهُ مِنْ شُرْبِهِ الْخَدَرُ وَمَا تَعَرَّضَ لَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى هَذَا الْفِعْلِ كَمَا تَقَدَّمَ

وَأَمَّا إِذَا بَلَغَ الطِّلَاءُ حَدَّ الْإِسْكَارِ فَلَمْ يَحِلَّ عِنْدَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا أَخْرَجَ مالك في الموطأ عن بن شِهَابٍ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ إِنِّي وَجَدْتُ مِنْ فُلَانٍ رِيحَ شَرَابٍ فَزَعَمَ أَنَّهُ شَرَابُ الطِّلَاءِ وَأَنَا سَائِلٌ عَمَّا شَرِبَ فَإِنْ كَانَ يُسْكِرُ جَلَدْتُهُ فَجَلَدَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْحَدَّ تَامًّا انْتَهَى أَيْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً

وَفُلَانٌ هُوَ ابْنُهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بِضَمِّ الْعَيْنِ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>