للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَفِي هَذِهِ الْحَوَادِثِ لَمَّا ظَهَرَ الْفَسَادُ وَالتَّقَاتُلُ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَجُعِلَ جِهَادُ الْكُفَّارِ مَتْرُوكًا وَمَهْجُورًا إِلَى حِينَ عُلِمَ نَظَرًا إِلَى الْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ أَنَّ الْإِسْلَامَ قَدْ وَهَنَ وَاضْمَحَلَّ وَكَوْكَبُهُ قَدْ أَفَلَ وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ جَعَلَ أَمْرَ الْخِلَافَةِ مُنْتَظِمًا وَأَمْضَى الْجِهَادَ إِلَى ظُهُورِ بَنِي الْعَبَّاسِ وَتَلَاشِي دَوْلَةِ بَنِي أُمَيَّةَ فَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَيْضًا فُهِمَ بِالْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ أَنَّ الْإِسْلَامَ قَدْ أُبِيدَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يُرِيدُ ثُمَّ أَيَّدَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ وَأَشَادَ مَنَارَهُ وَجَلَّى نَهَارَهُ حَتَّى حَدَثَتِ الْحَادِثَةُ الْجَنْكِيزِيَّةُ وَإِلَيْهَا إِشَارَةٌ فِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا يَعْجِزَ أُمَّتِي عِنْدَ رَبِّي أَنْ يُؤَخِّرَهَا نِصْفَ يَوْمٍ فَقِيلَ لِسَعْدٍ وَكَمْ نِصْفُ يَوْمٍ قَالَ خَمْسُ مِائَةِ سنة رواه أحمد فتارة أخبر النبي عَنْ خِلَافَةِ النُّبُوَّةِ وَخَصَّصَهُ بِثَلَاثِينَ سَنَةً وَالَّتِي بَعْدَهُمْ عَبَّرَهَا بِمُلْكٍ عَضُوضٍ وَتَارَةً عَنْ خِلَافَةِ النُّبُوَّةِ وَالَّتِي تَتَّصِلُ بِهَا كِلَيْهِمَا مَعًا وَعَبَّرَهَا بِاثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةٍ وَتَارَةً عَنِ الثَّلَاثَةِ كُلِّهَا مَعًا وَعَبَّرَهَا بِخَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ وَأَمَّا مَا فَهِمَ هَذَا الْمُسْتَشْكِلُ فُلًّا يَسْتَقِيمُ أَصْلًا بِوُجُوهٍ

الأول أن المذكور ها هنا الْخِلَافَةُ لَا الْإِمَامَةُ وَلَمْ يَكُنْ أَكْثَرُ مِنْ هَؤُلَاءِ اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً بِالِاتِّفَاقِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ

الثَّانِي أَنَّ نِسْبَتَهُمْ إِلَى قُرَيْشٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فَإِنَّ الْعَادَةَ قَدْ جَرَتْ عَلَى أَنَّ الْجَمَاعَةَ لَمَّا فَعَلُوا أَمْرًا وَكُلُّهُمْ مِنْ بَطْنٍ وَاحِدٍ يُسَمُّونَهُمْ بِذَلِكَ الْبَطْنِ وَلَمَّا كَانُوا مِنْ بُطُونٍ شَتَّى يُسَمُّونَهُمْ بِالْقَبِيلَةِ الْفَوْقَانِيَّةِ الَّتِي تَجْمَعُهُمْ

الثَّالِثُ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَئِمَّةً لَمْ يَقُولُوا بِظُهُورِ الدِّينِ بِهِمْ بَلْ يَزْعُمُونَ أَنَّ الدِّينَ قَدِ اختفى بعد وفاته وَالْأَئِمَّةُ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِالتَّقِيَّةِ وَمَا اسْتَطَاعُوا عَلَى أَنْ يُظْهِرُوهُ حَتَّى إِنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إِظْهَارِ مَذْهَبِهِ وَمَشْرَبِهِ

الرَّابِعُ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ حَرْفِ إِلَى أَنْ تَقَعَ فَتْرَةً بَعْدَ مَا يَنْقَضِي عَصْرُ اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً وَهُمْ قَائِلُونَ بِظُهُورِ عِيسَى عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَكَمَالِ الدِّينِ بَعْدَهُمْ فَلَا يَسْتَقِيمُ مَعْنَى الْغَايَةِ وَالْمُغَيَّا كَمَا لَا يَخْفَى

فَالتَّحْقِيقُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَعْتَبِرُوا بِمُعَاوِيَةَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ وَبَنِيهِ الْأَرْبَعِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بَعْدَ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ الرَّاشِدِينَ

وَقَدْ نُقِلَ عَنِ الْإِمَامِ مَالِكٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَحَقُّ بِالْخِلَافَةِ مِنْ مُخَالِفِيهِ

وَلَنَا فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ ذَكَرَا عَنِ النبي ما يدل على أن تسلط بن الزُّبَيْرِ وَاسْتِحْلَالَ الْحَرَمِ بِهِ مُصِيبَةٌ مِنْ مَصَائِبِ الْأُمَّةِ أَخْرَجَ حَدِيثَهُمَا أَحْمَدُ عَنْ قَيْسِ بْنِ أبي حازم قال جاء بن الزُّبَيْرِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْغَزْوِ فَقَالَ عُمَرُ اجْلِسْ فِي بَيْتِكِ فَقَدْ غزوت مع رسول الله

قَالَ فَرَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ فِي الثَّالِثَةِ أَوِ الَّتِي تَلِيهَا اقْعُدْ فِي بَيْتِكَ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَجِدُ بِطَرَفِ

<<  <  ج: ص:  >  >>