قال المنذري وحديث بن وَهْبٍ هَذَا الَّذِي عَلَّقَهُ أَبُو دَاوُدَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ (وَرَوَاهُ اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عن بن شِهَابٍ بِإِسْنَادِهِ قَالَ اسْتَعَارَتِ امْرَأَةٌ)
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَهَذَا الَّذِي عَلَّقَهُ أَيْضًا قَدْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا وَلَمْ يَذْكُرْ لَفْظَهُ (سَرَقَتْ قَطِيفَةً مِنْ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وعند بن سَعْدٍ مِنْ مُرْسَلِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ أَنَّهَا سَرَقَتْ حُلِيًّا وَجُمِعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْحُلِيَّ كَانَ فِي الْقَطِيفَةِ وَالْقَطِيفَةُ هِيَ كِسَاءُ لَهُ خَمْلٌ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَهَذَا الَّذِي عَلَّقَهُ أَيْضًا قد أخرجه بن مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ وَفِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ وَقَدِ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ (فَعَاذَتْ بِزَيْنَبَ) أَيِ الْتَجَأَتْ بِهَا قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وذكر
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَعَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ يَكُون تَنَاوُل اِسْم السَّارِق لِلْجَاحِدِ لُغَة بِدَلِيلِ تَسْمِيَة الصَّحَابَة لَهُ سَارِقًا
وَنَظِير هَذَا سَوَاء مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَسْمِيَة نَبِيذ التَّمْر وَغَيْره خَمْرًا لُغَة لَا قِيَاسًا
وَكَذَلِكَ تَسْمِيَة النَّبَّاش سَارِقًا
وَأَمَّا قَوْلهمْ إِنَّ ذِكْرَ جَحْدِ الْعَارِيَة لِلتَّعْرِيفِ لَا أَنَّهُ الْمُؤَثِّر فَكَلَام فِي غَايَة الْفَسَاد لَوْ صَحَّ مِثْله وَحَاشَى وَكَلَّا لَذَهَبَ مِنْ أَيْدِينَا عَامَّة الْأَحْكَام الْمُتَرَتِّبَة عَلَى الْأَوْصَاف وَهَذِهِ طَرِيقَة لَا يَرْتَضِيهَا أَئِمَّة الْعِلْم وَلَا يَرُدُّونَ بِمِثْلِهَا السُّنَن وَإِنَّمَا يَسْلُكهَا بَعْض الْمُقَلِّدِينَ مِنْ الْأَتْبَاع
وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّ جَاحِد الْعَارِيَة لَا يُسَمَّى سَارِقًا لَكَانَ قَطْعه بِهَذَا الْحَدِيث جَارِيًا عَلَى وَفْقِ الْقِيَاس
فَإِنَّ ضَرَره مِثْل ضَرَر السَّارِق أَوْ أَكْثَر إِذْ يُمْكِن الِاحْتِرَاز مِنْ السَّارِق بِالْإِحْرَازِ وَالْحِفْظ
وَأَمَّا الْعَارِيَة فَالْحَاجَة الشَّدِيدَة الَّتِي تَبْلُغ الضَّرُورَة مَاسَّة إِلَيْهَا وَحَاجَة النَّاس فِيمَا بَيْنهمْ إِلَيْهَا مِنْ أَشَدّ الْحَاجَات وَلِهَذَا ذَهَبَ مَنْ ذَهَبَ مِنْ الْعُلَمَاء إِلَى وُجُوبهَا وَهُوَ مَذْهَب كَثِير مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَأَحَد الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَب أَحْمَد
فَتَرْتِيب الْقَطْع عَلَى جَاحِدهَا طَرِيق إِلَى حفظ أموال الناس وترك الباب هَذَا الْمَعْرُوف مَفْتُوحًا
وَأَمَّا إِذَا عَلِمَ أَنَّ الْجَاحِد لَا يُقْطَع فَإِنَّهُ يُفْضِي إِلَى سَدّ بَاب الْعَارِيَة فِي الْغَالِب
وَسِرّ الْمَسْأَلَة أَنَّ السَّارِق إِنَّمَا قُطِعَ دُون الْمُنْتَهِب وَالْمُخْتَلِس لِأَنَّهُ لَا يُمْكِن التَّحَرُّز مِنْهُ بِخِلَافِ الْمُنْتَهِب وَالْمُخْتَلِس فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَفْعَل ذَلِكَ عِنْد عَدَم اِحْتِرَاز الْمَالِك
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْعَارِيَة فِيمَا بَيْن النَّاس أَمْر تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَة فَلَا يُمْكِن سَدّه وَالِاحْتِرَاز مِنْهُ فَكَانَ قَطْع الْيَد فِي جِنَايَته كَقَطْعِهَا فِي جِنَايَة السَّرِقَة وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق