. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
الْجُرُوح قِصَاص مَعَ أَنَّ الْجَارِح قَدْ يَشْتَدّ عَذَابه إِذَا فَعَلَ بِهِ كَمَا فَعَلَ حَتَّى يستوفي منه
وقد ثبت عن النبي أَنَّهُ رَضَخَ رَأْسَ الْيَهُودِيّ كَمَا رَضَخَ رَأْس الْجَارِيَة وَهَذَا الْقَتْل قِصَاص لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِنَقْضِ الْعَهْد أَوْ لِلْحِرَابَةِ لَكَانَ بِالسَّيْفِ
وَلَا يُرْضَخ الرَّأْس
وَلِهَذَا كَانَ أَصَحّ الْأَقْوَال أَنَّهُ يُفْعَل بِالْجَانِي مِثْل مَا فَعَلَ بِالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا لِحَقِّ اللَّه كَالْقَتْلِ بِاللِّوَاطَةِ وَتَجْرِيع الْخَمْر وَنَحْوه فَيُحَرَّق كَمَا حَرَّقَ وَيُلْقَى مِنْ شَاهِق كَمَا فَعَلَ وَيُخْنَق كَمَا خَنَقَ لِأَنَّ هَذَا أَقْرَب إِلَى الْعَدْل
وَحُصُول مُسَمَّى الْقِصَاص وَإِدْرَاك الثَّأْر وَالتَّشَفِّي وَالزَّجْر الْمَطْلُوب مِنْ الْقِصَاص
وَهَذَا مَذْهَب مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَإِحْدَى الرِّوَايَات عَنْ أَحْمَد
قَالُوا وَأَمَّا كَوْن الْقِصَاص لَا يَجِب فِي الْجُرْح حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى حَدٍّ وَلَا فِي الطَّرَف حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى مفصل لتحقق المماثلة فهذا إنما اشترط لِئَلَّا يَزِيد الْمُقْتَصّ عَلَى مِقْدَار الْجِنَايَة فَيَصِير الْمَجْنِيّ عَلَيْهِ مَظْلُومًا بِذَهَابِ ذَلِكَ الْجُزْء فَتَعَذَّرَتْ الْمُمَاثَلَة فَصِرْنَا إِلَى الدِّيَة وَهَذَا بِخِلَافِ اللَّطْمَة والضربة فإنه لو قَدَّرَ تَعَدِّي الْمُتَقَضِّي فِيهَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِذَهَابِ جُزْء بَلْ بِزِيَادَةِ أَلَم وَهَذَا لَا يُمْكِن الِاحْتِرَاز مِنْهُ وَلِهَذَا تُوجِبُونَ التَّعْزِير مَعَ أن أَلَمه يَكُون أَضْعَاف أَلَم اللَّطْمَة وَالْبَرْد مِنْ سِنّ الْجَانِي مِقْدَار مَا كَسَرَ مِنْ سِنّ الْمَجْنِيّ عَلَيْهِ مَعَ شِدَّة الْأَلَم وَكَذَلِكَ قَلْع سِنّه وَعَيْنه أَوْ نَحْو ذَلِكَ لَا بُدّ فِيهِ مِنْ زِيَادَة أَلَم لِيَصِل الْمَجْنِيّ عَلَيْهِ إِلَى اِسْتِيفَاء حَقّه فَهَلَّا اِعْتَبَرْتُمْ هَذَا الْأَلَم المقدرة زيادته في اللطمة والضربة كما اعتبرتموه فيما ذَكَرْنَا مِنْ الصُّوَر وَغَيْرهَا
قَالَ الْمَانِعُونَ كَمَا عَدَلْنَا فِي الْإِتْلَاف الْمَالِيّ إِلَى الْقِيمَة عِنْد تَعَذُّر الْمُمَاثَلَة فَكَذَلِكَ هَا هُنَا بَلْ أَوْلَى لِحُرْمَةِ الْبَشَرَة وَتَأَكُّدهَا عَلَى حُرْمَة الْمَال
قَالَ الْمُجَوِّزُونَ هَذَا قِيَاس فَاسِد مِنْ وَجْهَيْنِ
أَحَدهمَا أَنَّكُمْ لَا تَقُولُونَ بِالْمُمَاثَلَةِ فِي إِتْلَاف الْمَال فَإِنَّهُ إِذَا أَتْلَفَ عَلَيْهِ ثَوْبًا لَمْ تُجَوِّزُوا أَنْ يُتْلِف عَلَيْهِ مِثْله مِنْ كُلّ وَجْه
وَلَوْ قَطَعَ يَده أَوْ قَتَلَهُ لَقُطِعَتْ يَده وَقُتِلَ بِهِ فَعُلِمَ الْفَرْق بَيْن الْأَمْوَال وَالْأَبْشَار وَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْجِنَايَة عَلَى النُّفُوس وَالْأَطْرَاف يُطْلَب فِيهَا الْمُقَاصَّة بِمَا لَا يُطْلَب فِي الْأَمْوَال
وَالثَّانِي أَنَّ مَنْ هُوَ الَّذِي سَلَّمَ لَكُمْ أَنَّ غَيْر الْمَكِيل وَالْمَوْزُون يُضَمْنَ بِالْقِيمَةِ لَا بِالنَّظِيرِ
وَلَا إِجْمَاع فِي الْمَسْأَلَة وَلَا نَصّ بَلْ الصَّحِيح أَنَّهُ يَجِب الْمِثْل فِي الْحَيَوَان وَغَيْره بِحَسَبِ الْإِمْكَان كَمَا ثَبَتَ عَنْ الصَّحَابَة فِي جَزَاء الصَّيْد أَنَّهُمْ قَضَوْا فِيهِ بملثه مِنْ النَّعَم بِحَسَبِ الْإِمْكَان فَقَضَوْا فِي النَّعَامَة بِبَدَنَةٍ وَفِي بَقَرَة الْوَحْش بِبَقَرَةٍ وَفِي الظَّبْي بِشَاةٍ إِلَى غَيْر ذَلِكَ
قَالَ الْمَانِعُونَ هَذَا عَلَى خِلَاف الْقِيَاس فَيُصَار إِلَيْهِ اتِّبَاعًا لِلصَّحَابَةِ وَلِهَذَا مَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَة وَقَدَّمَ الْقِيَاس عَلَيْهِ وَأَوْجَبَ الْقِيمَة
قَالَ الْمُجَوِّزُونَ قَوْلكُمْ إِنَّ هَذَا عَلَى خِلَاف الْقِيَاس فَرْع عَلَى صِحَّة الدَّلِيل الدَّالّ عَلَى أَنَّ