. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَمِنْ الْعَجَب أَنْ يُقَال إِذَا اِقْتَرَضَ حَيَوَانًا رَدَّ قِيمَته وَيُقَاسَ ذَلِكَ عَلَى الْإِتْلَاف وَالْغَصْب فَيُتْرَك مُوجَب النَّصّ الصَّحِيح لِقِيَاسٍ لَمْ يَثْبُت أَصْله بِنَصٍّ وَلَا إِجْمَاع وَنُصُوص أَحْمَد أَنَّ الْحَيَوَان فِي الْقَرْض يُضَمْنَ بِمِثْلِهِ
وَقَالَ بَعْض أَصْحَابه بَلْ بِالْقِيمَةِ طَرْدًا لِلْقِيَاسِ عَلَى الْغَصْب
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابه فِي مُوجَب الضَّمَان فِي الْغَصْب وَالْإِتْلَاف عَلَى ثَلَاثَة أَوْجُه أَحَدهَا أَنَّ الْوَاجِب الْقِيمَة فِي غَيْر الْمَكِيل وَالْمَوْزُون
وَالثَّانِي الْوَاجِب الْمِثْل فِي الْجَمِيع
وَالثَّالِث الْوَاجِب الْمِثْل فِي غَيْر الْحَيَوَان وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَد فِي الثَّوْب وَالْقَصْعَة وَنَحْوهمَا
وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيّ فِي الْجِدَار الْمَهْدُوم ظُلْمًا يُعَاد مِثْله وَأَقْوَل النَّاس بِالْقِيمَةِ أَبُو حَنِيفَة وَمَعَ هَذَا فَعِنْده إِذَا أَتْلَفَ ثَوْبًا ثَبَتَ فِي ذِمَّته مِثْله لَا قِيمَته وَلِهَذَا يَجُوز الصُّلْح عَنْهُ بِأَكْثَر مِنْ قِيمَته وَلَوْ كَانَ الثَّابِت فِي الذِّمَّة الْقِيمَة لَمَا جَازَ الصُّلْح عَنْهَا بِأَكْثَر مِنْهَا
فَظَهَرَ أَنَّ مَنْ لَمْ يَعْتَبِر الْمِثْل فَلَا بُدّ مِنْ تَنَاقُضه أَوْ مُنَاقَضَته لِلنَّصِّ الصَّرِيح وَهَذَا مَا لا ملخص مِنْهُ
وَأَصْل هَذَا كُلّه هُوَ الْحُكُومَة الَّتِي حكم فيها داود وسليمان عليهما السلام وَقَصَّهَا اللَّه عَلَيْنَا فِي كِتَابه
وَكَانَتْ فِي الْحَرْث وَهُوَ الْبُسْتَان وَقِيلَ إِنَّهَا كَانَتْ أَشْجَار عِنَب
فَنَفَشَتْ فِيهَا الْغَنَم وَالنَّفْش إِنَّمَا يَكُون لَيْلًا فَقَضَى دَاوُدُ لِأَصْحَابِ الْبُسْتَان بِالْغَنَمِ لِأَنَّهُ اِعْتَبَرَ قِيمَة مَا أَفْسَدَتْهُ فَوَجَدَهُ يُسَاوِي الْغَنَم فَأَعْطَاهُمْ إِيَّاهَا وَأَمَّا سُلَيْمَان فَقَضَى عَلَى أَصْحَاب الْغَنَم بِالْمِثْلِ وَهُوَ أَنْ يَعْمُرُوا الْبُسْتَان كَمَا كَانَ ثُمَّ رَأَى أَنَّ مُغَلَّهُ إِلَى حِين عَوْدِهِ يَفُوت عَلَيْهِمْ وَرَأَى أَنَّ مُغَلّ الْغَنَم يُسَاوِيه فَأَعْطَاهُمْ الْغَنَم يَسْتَغِلُّونَهَا حَتَّى يَعُود بُسْتَانهمْ كَمَا كَانَ فَإِذَا عَادَ رَدُّوا إِلَيْهِمْ غَنَمهمْ
فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي مِثْل هَذِهِ الْقَضِيَّة عَلَى أَرْبَعَة أَقْوَال
أَحَدهَا الْقَوْل بِالْحُكْمِ السُّلَيْمَانِيّ فِي أَصْل الضَّمَان وَكَيْفِيَّته وَهُوَ أَصَحّ الْأَقْوَال وَأَشَدّهَا مُطَابَقَة لِأُصُولِ الشَّرْع وَالْقِيَاس كَمَا قَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي كِتَاب مُفْرَد فِي الِاجْتِهَاد وَهَذَا أَحَد الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد نَصَّ عَلَيْهِ فِي غَيْر مَوْضِع وَيَذْكُر وَجْهًا فِي مَذْهَب مَالِك وَالشَّافِعِيّ
وَالثَّانِي مُوَافَقَته فِي النَّفْش دُون الْمِثْل وَهَذَا الْمَشْهُور مِنْ مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَمَالِك وَأَحْمَد
وَالثَّالِث عَكْسه وَهُوَ مُوَافَقَته فِي الْمِثْل دُون النَّفْش وَهُوَ قَوْل دَاوُدَ وَغَيْره فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِذَا أَتْلَفَ الْبُسْتَان بِتَفْرِيطِهِ ضَمِنَهُ بِمِثْلِهِ
وَأَمَّا إِذَا اِنْفَلَتَتْ الْغَنَم لَيْلًا لَمْ يَضْمَن صاحبها ما أتلفته
والرابع أن النقش لَا يُوجِب الضَّمَان وَلَوْ أَوْجَبَهُ لَمْ يَكُنْ بِالْمِثْلِ بَلْ بِالْقِيمَةِ فَلَمْ تُوَافِقهُ لَا فِي النقش وَلَا فِي الْمِثْل وَهُوَ مَذْهَب أَبِي حَنِيفَة وَهَذَا مِنْ اِجْتِهَادهمْ فِي الْقِيَاس وَالْعَدْل هُوَ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّه
فَكُلّ طَائِفَة رَأَتْ الْعَدْل هُوَ قَوْلهَا وَإِنْ كَانَتْ النُّصُوص وَالْقِيَاس وَأُصُول الشَّرْع تَشْهَد بِحُكْمِ سُلَيْمَان كَمَا أَنَّ اللَّه سُبْحَانه أَثْنَى عَلَيْهِ بِهِ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ فَهَّمَهُ إِيَّاهُ
وَذَكَرَ مَأْخَذ هَذِهِ الْأَقْوَال وَأَدِلَّتهَا وَتَرْجِيح الرَّاجِح مِنْهَا لَهُ مَوْضِع غَيْر هَذَا أَلْيَق بِهِ مِنْ هَذَا