قَالَ قَالَ لِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ قَالَ قُلْتُ لِهِشَامٍ وَمَا يُدْرِيكَ قَالَ حَدَّثَ عَنِ امْرَأَتِي فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ وَدَخَلْتُ عَلَيْهَا (أُدْخِلَتْ عَلَيَّ) وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ وَمَا رَآهَا رَجُلٌ حَتَّى لَقِيَتِ اللَّهَ
قِيلَ هَذِهِ الْحِكَايَةُ وَأَمْثَالُهَا هِيَ الَّتِي غَرَّتْ مَنِ اتَّهَمَهُ بِالْكَذِبِ وَجَوَابُهَا مِنْ وُجُوهٍ أَحَدِهَا أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ رَاوِيَهَا عَنْ يَحْيَى هُوَ الشَّاذَكُونِيُّ وَقَدِ اتُّهِمَ بِالْكَذِبِ فَلَا يَجُوزُ الْقَدْحُ فِي الرَّجُلِ بِمِثْلِ رِوَايَةِ الشَّاذَكُونِيِّ
الثَّانِي أَنَّ فِي الْحِكَايَةِ مَا يدل على أنها كذب فإنه قال أدخلت علي وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ وَفَاطِمَةُ أَكْبَرُ مِنْ هِشَامٍ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً وَلَعَلَّهَا لَمْ تُزَفَّ إِلَيْهِ إِلَّا وَقَدْ زَادَتْ عَلَى الْعِشْرِينَ وَلَمَّا أَخَذَ عنها بن إِسْحَاقَ كَانَ لَهَا نَحْوُ بِضْعٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً الثَّالِثِ أَنَّ هِشَامًا إِنَّمَا نَفَى رُؤْيَتَهُ لَهَا وَلَمْ يَنْفِ سَمَاعَهُ مِنْهَا وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ انْتِفَاءِ الرُّؤْيَةِ انْتِفَاءُ السَّمَاعِ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لَعَلَّهُ سَمِعَ مِنْهَا فِي الْمَسْجِدِ أَوْ دَخَلَ عَلَيْهَا فَحَدَّثَتْهُ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ فَأَيُّ شَيْءٍ فِي هَذَا وَقَدْ كَانَتِ امْرَأَةً قد كبرت وأسنت
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
مِثْله مِمَّا تَلَوْنَا مِنْ الْآيَات فِي هَذَا الْبَاب
فَهَذِهِ الْآيَات وَغَيْرهَا كُلّهَا وَاضِحَة فِي إِبْطَال قَوْل الْمُعْتَزِلَة
وَأَمَّا اِدِّعَاؤُهُمْ الْمَجَاز فِي الِاسْتِوَاء وَقَوْلهمْ اِسْتَوَى بِمَعْنَى اِسْتَوْلَى
فَلَا مَعْنَى لَهُ
لِأَنَّهُ غَيْر ظَاهِر فِي اللُّغَة
وَمَعْنَى الِاسْتِيلَاء فِي اللُّغَة الْمُغَالَبَة
وَاَللَّه لَا يَغْلِبهُ وَلَا يَعْلُوهُ أَحَد
وَهُوَ الْوَاحِد الصَّمَد
وَمِنْ حَقّ الْكَلَام أَنْ يُحْمَل عَلَى حَقِيقَته حَتَّى يَكُون اِتِّفَاق مِنْ الْأُمَّة أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْمَجَاز إِذْ لَا سَبِيل إِلَى اِتِّبَاع مَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا مِنْ رَبّنَا إِلَّا عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا يُوَجَّه كَلَام اللَّه إِلَى الْأَشْهَر وَالْأَظْهَر مِنْ وُجُوهه مَا لَمْ يَمْنَع مِنْ ذَلِكَ مَا يَجِب لَهُ التَّسْلِيم
وَلَوْ سَاغَ اِدِّعَاء الْمَجَاز لِكُلِّ مُدَّعٍ مَا ثَبَتَ شَيْء مِنْ الْعِبَادَات
وَجَلَّ اللَّه أَنْ يُخَاطِب عِبَاده فِي كِتَابه الْعَرَبِيّ إِلَّا بِمَا يَفْهَمهُ الْعَرَب فِي مَعْهُود مُخَاطَبَتهَا مِمَّا يَصِحّ مَعْنَاهُ عِنْد السَّامِعِينَ
وَالِاسْتِوَاء فِي اللُّغَة مَعْلُوم مَفْهُوم وَهُوَ الْعُلُوّ وَالِارْتِفَاع عَلَى الشَّيْء وَالِاسْتِقْرَار وَالتَّمَكُّن فِيهِ
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي قَوْله تَعَالَى {اِسْتَوَى} قَالَ عَلَا
وَتَقُول الْعَرَب اِسْتَوَيْت فَوْق الدَّابَّة وَاسْتَوَيْت فَوْق الْبَيْت
قَالَ أَبُو عَمْرو الِاسْتِقْرَار فِي الْعُلُوّ
وَبِهَذَا خَاطَبَنَا عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابه
فَقَالَ {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُوره ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَة رَبّكُمْ إِذَا اِسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ} وَقَالَ {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيّ} وَقَالَ {فَإِذَا اِسْتَوَيْت أَنْتَ وَمَنْ مَعَك عَلَى الْفُلْك}
وَقَالَ الشَّاعِر