. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
روحه ورضي عنه
قال السنة الَّتِي أَنَا عَلَيْهَا وَرَأَيْت أَصْحَابنَا أَهْل الْحَدِيث الَّذِينَ رَأَيْتهمْ عَلَيْهَا فَأَحْلِف عَنْهُمْ مِثْل سُفْيَان وَمَالِك وَغَيْرهمَا الْإِقْرَار بِشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَه إلا الله وأن محمدا رسول الله وَأَنَّ اللَّه عَلَى عَرْشه فِي سَمَائِهِ يَقْرَب مِنْ خَلْقه كَيْف يَشَاء وَأَنَّ اللَّه يَنْزِل إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا كَيْف يَشَاء وَذَكَرَ كَلَامًا طَوِيلًا وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن أَيْضًا سَأَلْت أَبِي وَأَبَا زُرْعَة عَنْ مَذَاهِب أَهْل السُّنَّة فِي أُصُول الدِّين وَمَا أَدْرَكَا السَّلَف عَلَيْهِ وَمَا يَعْتَقِدُونَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَا أَدْرَكْنَا الْعُلَمَاء فِي جَمِيع الْأَمْصَار حِجَازًا وَعِرَاقًا وَمِصْرًا وِشَامًا وَيَمَنًا
فَكَانَ مَذْهَبهمْ أَنَّ الْإِيمَان قَوْل وَعَمَل يَزِيد وَيَنْقُص وَالْقُرْآن كَلَام اللَّه غَيْر مَخْلُوق بِجَمِيعِ جِهَاته وَالْقَدَر خَيْره وَشَرّه مِنْ اللَّه وَأَنَّ اللَّه تَعَالَى عَلَى عَرْشه بَائِن مِنْ خَلْقه كَمَا وَصَفَ نَفْسه فِي كِتَابه وَعَلَى لِسَان رَسُوله بِلَا كَيْف أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْء عِلْمًا وَ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير}
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الطَّبَرِيُّ فِي كِتَاب شَرْح السُّنَّة لَهُ وَجَدْت فِي كِتَاب أَبِي حَاتِم الرازي مذهبنا واختيارنا اتباع رسول الله وَأَصْحَابه وَالتَّابِعِينَ مِنْ بَعْدهمْ وَالتَّمَسُّك بِمَذَاهِب أَهْل الْأَثَر مِثْل أَبِي عَبْد اللَّه أَحْمَد بْن حَنْبَل وَإِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ وَأَبِي عُبَيْد الْقَاسِم بْن سَلَّامٍ وَالشَّافِعِيّ رَحِمَهُمْ اللَّه وَلُزُوم الْكِتَاب وَالسُّنَّة
وَنَعْتَقِد أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عرشه بائن من خلق {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير}
وَفِي كِتَاب الْإِبَانَة لِأَبِي الْحَسَن الْأَشْعَرِيّ رَحِمَهُ اللَّه الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو الْقَاسِم بْن عَسَاكِر وَعَدَّهُ مِنْ كُتُبه وَحَكَى كَلَامه فِيهِ مُبَيِّنًا عَقِيدَته وَالذَّبّ عَنْهُ قَالَ ذَكَرَ الِاسْتِوَاء عَلَى الْعَرْش إِنْ قَالَ قَائِل مَا تَقُولُونَ فِي الِاسْتِوَاء قَالَ نَقُول لَهُ إِنَّ اللَّه مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشه كَمَا قَالَ {الرَّحْمَن عَلَى الْعَرْش اِسْتَوَى} وَقَالَ {إِلَيْهِ يَصْعَد الْكَلِم الطَّيِّب} وَقَالَ {يُدَبِّر الْأَمْر مِنْ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض ثُمَّ يَعْرُج إِلَيْهِ} وَقَالَ حِكَايَة عَنْ فِرْعَوْن {يَا هَامَان اِبْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغ الْأَسْبَاب أَسْبَاب السَّمَاوَات فَأَطَّلِع إِلَى إِلَه مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنّهُ كَاذِبًا} كَذَّبَ فِرْعَوْن مُوسَى فِي قَوْله إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فَوْق السَّمَاوَات وَقَالَ اللَّه {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاء أَنْ يَخْسِف بِكُمْ الأرض} فالسموات فَوْقهَا الْعَرْش
فَلَمَّا كَانَ الْعَرْش فَوْق السَّمَاوَات وكل ما علا فهو سماء وَالْعَرْش أَعْلَى السَّمَاوَات
وَلَيْسَ إِذَا قَالَ {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاء} أَنَّهُ يَعْنِي جَمِيع السَّمَاوَات وَإِنَّمَا أَرَادَ الْعَرْش الَّذِي هُوَ أَعْلَى السَّمَاوَات
أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ذَكَرَ السَّمَاوَات فَقَالَ {وَجَعَلَ الْقَمَر فِيهِنَّ نُورًا} وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ الْقَمَر يَمْلَؤُهُنَّ جَمِيعًا
وَرَأَيْنَا الْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا يَرْفَعُونَ أَيْدِيهمْ إِذَا دَعَوْا نَحْو السَّمَاء لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى مُسْتَوٍ عَلَى الْعَرْش الَّذِي هُوَ فَوْق السَّمَاوَات فَلَوْلَا أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْعَرْش لَمْ يَرْفَعُوا أَيْدِيهمْ نَحْو الْعَرْش كَمَا لَا يَحُطُّونَهَا إِذَا دَعَوْا نَحْو الْأَرْض
ثُمَّ قَالَ
فَصْل وَقَدْ قَالَ قَائِلُونَ مِنْ الْمُعْتَزِلَة وَالْجَهْمِيَّة وَالْحَرُورِيَّة
إِنَّ مَعْنَى قَوْله {الرَّحْمَن عَلَى الْعَرْش اِسْتَوَى} أَنَّهُ اِسْتَوْلَى وَمَلَكَ وَقَهَرَ وَأَنَّ اللَّه