طرق كثيرة وتركه عن أنس وبن مُغَفَّلٍ فَقَطْ وَالتَّرْجِيحُ بِالْكَثْرَةِ ثَابِتٌ وَبِأَنَّ أَحَادِيثَ الْجَهْرِ شَهَادَةٌ عَلَى إِثْبَاتٍ وَتَرْكُهُ شَهَادَةٌ عَلَى نَفْيٍ وَالْإِثْبَاتُ مُقَدَّمٌ وَبِأَنَّ الَّذِي رُوِيَ عَنْهُ تَرْكُ الْجَهْرِ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ الْجَهْرُ بَلْ رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ إِنْكَارُ ذَلِكَ
كَمَا أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ أَبِي مَسْلَمَةَ قَالَ قُلْتُ لِأَنَسٍ أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَوِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ قَالَ إِنَّكَ تَسْأَلُنِي عَنْ شَيْءٍ مَا حَفِظْتُهُ وَلَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ قَبْلَكَ وَأُجِيبَ عَنِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ التَّرْجِيحَ بِالْكَثْرَةِ إِنَّمَا يَقَعُ بَعْدَ صِحَّةِ السَّنَدِ وَلَا يَصِحُّ فِي الْجَهْرِ شَيْءٌ مَرْفُوعٌ كَمَا نُقِلَ عَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ وَإِنَّمَا يَصِحُّ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ مَوْقُوفٌ وَعَنِ الثَّانِي بِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ بِصُورَةِ النَّفْيِ لَكِنَّهَا بِمَعْنَى الْإِثْبَاتِ وَقَوْلُهُمْ إِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ لِبُعْدِهِ بَعِيدٌ مَعَ طُولِ صُحْبَتِهِ وَعَنِ الثَّالِثِ بِأَنَّ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ فِي حَالِ حِفْظِهِ أَوْلَى مِمَّنْ أَخَذَهُ عَنْهُ فِي حَالِ نِسْيَانِهِ وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ فَقَالَ سَلُوا الْحَسَنَ فَإِنَّهُ يَحْفَظُ وَنَسِيتُ
وَقَالَ الْحَازِمِيُّ الأحاديث في اخفاء نُصُوصٌ لَا تَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ وَأَيْضًا فَلَا يُعَارِضُهَا غَيْرُهَا لِثُبُوتِهَا وَصِحَّتِهَا وَأَحَادِيثُ الْجَهْرِ لَا تُوَازِيهَا فِي الصِّحَّةِ بِلَا رَيْبٍ
ثُمَّ إِنَّ أَصَحَّ أَحَادِيثِ تَرْكِ الْجَهْرِ حَدِيثُ أَنَسٍ وَقَدِ اخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي لَفْظِهِ فَأَصَحُّ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كَذَا قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِ شُعْبَةَ عَنْهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ وَكَذَا رَوَاهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِ قَتَادَةَ عَنْهُ وَعَلَى هَذَا اللَّفْظِ اتَّفَقَ الشَّيْخَانِ وَجَاءَ عَنْهُ لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَجْهَرُ بِالْبَسْمَلَةِ وَرُوَاةُ هَذِهِ أَقَلُّ مِنْ رُوَاةِ ذَلِكَ
وَانْفَرَدَ بِهَا مُسْلِمٌ وَجَاءَ عَنْهُ حَدِيثُ هَمَّامٍ وَجَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ قَتَادَةَ سُئِلَ أَنَسٌ كَيْفَ كَانَ قِرَاءَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ كَانَتْ مَدًّا يَمُدُّ بِسْمِ اللَّهِ وَيَمُدُّ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
وَجَاءَ عَنْهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مَسْلَمَةَ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ قِيلَ إِنَّهُ سئل بما كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِحُ ثُمَّ قَالَ الْحَازِمِيُّ وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا مِنَ الِاخْتِلَافِ الْمُبَاحِ وَلَا نَاسِخَ فِي ذَلِكَ وَلَا منسوخ والله أعلم
انتهى
وذكر بن الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تَارَةً وَيُخْفِيهَا أَكْثَرَ مِمَّا جَهَرَ بِهَا وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَجْهَرُ بِهَا دَائِمًا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ أَبَدًا حَضَرًا وَسَفَرًا وَيُخْفِي ذَلِكَ عَلَى خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ وَعَلَى جُمْهُورِ أَصْحَابِهِ وَأَهْلِ بَلَدِهِ فِي الْأَعْصَارِ الْفَاضِلَةِ هَذَا مِنْ أَمْحَلِ الْمُحَالِ حَتَّى يحتاج إلى التشبث فِيهِ بِأَلْفَاظٍ مُجْمَلَةٍ وَأَحَادِيثَ وَاهِيَةٍ
فَصَحِيحُ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ غَيْرُ صَرِيحٍ وَصَرِيحُهَا غَيْرُ صَحِيحٍ انْتَهَى وَقَالَ فِي السُّبُلِ وَأَطَالَ الْجِدَالَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ مِنَ الطَّوَائِفِ لِاخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ بِهَا تَارَةً جَهْرًا وَتَارَةً يُخْفِيهَا
انْتَهَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute