. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَأَنَّ مَا وَصَفَهُ أَنَسٌ مِنْ تَخْفِيف النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاته هُوَ مَقْرُون بِوَصْفِهِ إِيَّاهَا بِالتَّمَامِ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ الَّذِي وَصَفَ تَطْوِيله رُكْنَيْ الِاعْتِدَال حَتَّى كَانُوا يَقُولُونَ قَدْ أَوْهَمَ وَوَصَفَ صَلَاة عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِأَنَّهَا تُشْبِه صَلَاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَنَّهُمْ قَدَّرُوهَا بِعَشْرِ تَسْبِيحَات وَالتَّخْفِيف الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ أَنَسٌ هُوَ تَخْفِيف الْقِيَام مَعَ تَطْوِيل الرُّكُوع وَالسُّجُود كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِيمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ الْعَطَّافِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فقال صليتم قلنا نعم قال ياجارية هَلُمِّي لَنَا وُضُوءًا
مَا صَلَّيْت وَرَاء إِمَام أَشْبَهَ بِصَلَاةِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِمَامكُمْ هَذَا قَالَ زَيْدٌ وَكَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يُتِمّ الرُّكُوع وَالسُّجُود وَيُخَفِّف الْقِيَام وَالْقُعُود وَهَذَا حَدِيث صَحِيح فَإِنَّ العطاف بن خالد المخزومي وثقه بن مَعِينٍ وَقَالَ أَحْمَدُ ثِقَة صَحِيح الْحَدِيث
وَقَدْ جَاءَ هَذَا صَرِيحًا فِي حَدِيث عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ لَمَّا صَلَّى خَلْف عَلِيٍّ بِالْبَصْرَةِ قَالَ لَقَدْ ذَكَّرَنِي هَذَا صَلَاة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ صَلَاة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَدِلَة كَانَ يُخَفِّف الْقِيَام وَالْقُعُود وَيُطِيل الرُّكُوع وَالسُّجُود وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْل أَنَسٍ كَانَتْ صَلَاة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَقَارِبَة وَحَدِيث الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ قِيَامه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُكُوعه وَسُجُوده كَانَ قَرِيبًا مِنْ السَّوَاء
فَهَذِهِ الْأَحَادِيث كُلّهَا تَدُلّ عَلَى مَعْنَى وَاحِد وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ يُطِيل الرُّكُوع وَالسُّجُود وَيُخَفِّف الْقِيَام
وَهَذَا بِخِلَافِ مَا كَانَ يَفْعَلهُ بَعْض الْأُمَرَاء الَّذِينَ أَنْكَرَ الصَّحَابَة صَلَاتهمْ مِنْ إِطَالَة الْقِيَام عَلَى مَا كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلهُ غَالِبًا وَتَخْفِيف الرُّكُوع وَالسُّجُود وَالِاعْتِدَالَيْنِ
وَلِهَذَا أَنْكَرَ ثَابِتٌ عَلَيْهِمْ تَخْفِيف الِاعْتِدَالَيْنِ وَقَالَ كَانَ أَنَسٌ يَصْنَع شَيْئًا لَا أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَهُ وحديث بن أَبِي الْعَمْيَاءِ إِنَّمَا فِيهِ أَنَّ صَلَاة أَنَسٍ كَانَتْ خَفِيفَة وَأَنَسٌ فَقَدْ وَصَفَ خِفَّة صَلَاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهَا أَشْبَهَ شَيْء بِصَلَاةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَعَ تَطْوِيل الرُّكُوع وَالسُّجُود وَالِاعْتِدَالَيْنِ وَأَحَادِيثه لَا تَتَنَاقَض وَالتَّخْفِيف أَمْر نِسْبِيّ إِضَافِيّ فَعَشْر تَسْبِيحَات وَعِشْرُونَ آيَة أَخَفّ مِنْ مِائَة تَسْبِيحَة وَمِائَتَيْ آيَة فَأَيّ مُعَارَضَة فِي هَذَا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الصَّرِيحَة
وَأَمَّا تَخْفِيف النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْد بُكَاء الصَّبِيّ فَلَا يُعَارِض مَا ثَبَتَ عَنْهُ مِنْ صِفَة صَلَاته بَلْ قَدْ قَالَ فِي الْحَدِيث نَفْسه إِنِّي أَدْخُل فِي الصَّلَاة وَأَنَا أُرِيد أَنْ أَطْلِيهَا فَأَسْمَع بُكَاء الصَّبِيّ فَأَتَجَوَّز
فَهَذَا تَخْفِيف لِعَارِضٍ وَهُوَ مِنْ السُّنَّة كَمَا يُخَفِّف صَلَاة السَّفَر وَصَلَاة الْخَوْف وَكُلّ مَا ثَبَتَ عَنْهُ مِنْ التَّخْفِيف فَهُوَ لِعَارِضٍ كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ قَرَأَ فِي السَّفَر فِي الْعِشَاء بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَكَذَلِكَ قِرَاءَته فِي الصُّبْحِ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ فَإِنَّهُ كَانَ فِي السَّفَر وَلِذَلِكَ رَفَعَ اللَّه تَعَالَى الْجَنَاح عَنْ الْأُمَّة فِي قَصْر الصَّلَاة فِي السَّفَر وَالْخَوْف وَالْقَصْر قَصْرَانِ قَصْر الْأَرْكَان وَقَصْر الْعَدَد فَإِنْ اِجْتَمَعَ السَّفَر وَالْخَوْف اِجْتَمَعَ الْقَصْرَانِ وَإِنْ اِنْفَرَدَ السَّفَر وَحْده شُرِعَ قَصْر الْعَدَد وَإِنْ اِنْفَرَدَ الْخَوْف وَحْده شُرِعَ قَصْر الْأَرْكَان
وَبِهَذَا يُعْلَم سِرّ تَقْيِيد الْقَصْر الْمُطْلَق فِي الْقُرْآن بِالْخَوْفِ وَالسَّفَر فَإِنَّ الْقَصْر الْمُطْلَق الَّذِي يَتَنَاوَل الْقَصْرَيْنِ إِنَّمَا يُشْرَعُ عِنْد الْخَوْف وَالسَّفَر
فَإِنْ اِنْفَرَدَ أَحَدهمَا بَقِيَ مُطْلَق الْقَصْر إِمَّا فِي العدد وإما