للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

فِي الْقَدْر وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَفَّفَ الصَّلَاة لَا لِعُذْرٍ كَانَ فِي ذَلِكَ بَيَان الْجَوَاز وَإِنَّ الِاقْتِصَار عَلَى ذَلِكَ لِلْعُذْرِ وَنَحْوه يَكْفِي فِي أَدَاء الْوَاجِب

فَإِمَّا أَنْ يَكُون هُوَ السُّنَّةُ وَغَيْره مَكْرُوه مَعَ أَنَّهُ فِعْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَغْلِب أَوْقَاته فَحَاشَى وَكَلَّا وَلِهَذَا رُوَاته عَنْهُ أَكْثَر مِنْ رُوَاة التَّخْفِيف وَاَلَّذِينَ رَوَوْا التَّخْفِيف رَوَوْهُ أَيْضًا فَلَا تُضْرَب سُنَنُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضهَا ببعض بَلْ يُسْتَعْمَل كُلٌّ مِنْهَا فِي مَوْضِعه

وَتَخْفِيفه إِمَّا لِبَيَانِ الْجَوَاز وَتَطْوِيله لِبَيَانِ الْأَفْضَل وَقَدْ يَكُون تَخْفِيفه لِبَيَانِ الْأَفْضَل إِذَا عَرَضَ مَا يَقْتَضِي التَّخْفِيف فَيَكُون التَّخْفِيف فِي مَوْضِعه أَفْضَل وَالتَّطْوِيل فِي مَوْضِعه أَفْضَل فَفِي الْحَالَتَيْنِ مَا خَرَجَ عَنْ الْأَفْضَل وَهَذَا اللَّائِق بِحَالِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَزَاهُ عَنَّا أَفْضَل مَا جزى نَبِيًّا عَنْ أُمَّته وَهُوَ اللَّائِق بِمَنْ اِقْتَدَى بِهِ وَائْتَمَّ بِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وَأَمَّا حَدِيث مُعَاذٍ فَهُوَ الَّذِي فَتَنَ النَّقَّارِينَ وَسُرَّاق الصَّلَاة لِعَدَمِ عِلْمهمْ بِالْقِصَّةِ وَسِيَاقهَا فَإِنَّ مُعَاذًا صَلَّى مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشَاء الْآخِرَة ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِقِبَاءَ فَقَرَأَ بِهِمْ سُورَة الْبَقَرَة

هَكَذَا جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث حَابِرٍ أَنَّهُ اِسْتَفْتَحَ بِهِمْ بِسُورَةِ الْبَقَرَة فَانْفَرَدَ بعض الْقَوْم وَصَلَّى وَحْده فَقِيلَ نَافَقَ فُلَانٌ فَقَالَ وَاللَّهِ مَا نَافَقْت وَلَآتِيَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَئِذٍ أَفَتَّانٌ أَنْتَ يامعاذ هَلَّا صَلَّيْت بِسَبْحِ اِسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى وَالشَّمْسِ وضحاها والليل إذا يغشى

وهكذا نقول إِنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّي الْعِشَاء بِهَذِهِ السُّوَر وَأَمْثَالهَا

فَأَيُّ مُتَعَلَّقٍ فِي هَذَا لِلنَّقَّارِينَ وَسُرَّاق الصَّلَاة وَمِنْ الْمَعْلُوم أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤَخِّر الْعِشَاء الْآخِرَةَ وَبُعْد مَا بَيْن بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَبَيْن الْمَسْجِدِ ثُمَّ طُول سُورَة الْبَقَرَةِ فَهَذَا الَّذِي أَنْكَرَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مَوْضِع الْإِنْكَار وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ الْحَدِيث الْآخَر يَا أَيُّهَا النَّاسُ

إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ وَمَعْلُوم أَنَّ النَّاس لَمْ يَكُونُوا يَنْفِرُونَ مِنْ صَلَاة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا مِمَّنْ يُصَلِّي بِقَدْرِ صَلَاته وَإِنَّمَا يَنْفِرُونَ مِمَّنْ يَزِيد فِي الطُّول عَلَى صَلَاته فَهَذَا الَّذِي يُنَفِّر

وَأَمَّا إِنْ قُدِّرَ نُفُور كَثِير مِمَّنْ لَا يَأْتُونَ الصَّلَاة إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَكَثِير مِنْ الْبَاطُولِيَّة الَّذِينَ يَعْتَادُونَ النَّقْر كَصَلَاةِ الْمُنَافِقِينَ وَلَيْسَ لَهُمْ فِي الصَّلَاة ذَوْق وَلَا لَهُمْ فِيهَا رَاحَة بَلْ يُصَلِّيهَا أَحَدهمْ اِسْتِرَاحَة مِنْهَا لَا بِهَا فَهَؤُلَاءِ لَا عِبْرَة بِنُفُورِهِمْ فَإِنَّ أَحَدهمْ يَقِف بَيْن يَدَيْ الْمَخْلُوق مُعْظَم الْيَوْم وَيَسْعَى فِي خِدْمَته أَعْظَم السَّعْي فَلَا يَشْكُو طُول ذَلِكَ وَلَا يَتَبَرَّم بِهِ فَإِذَا وَقَفَ بَيْن يَدَيْ رَبّه فِي خِدْمَته جُزْءًا يَسِيرًا مِنْ الزَّمَان وَهُوَ أَقَلّ الْقَلِيل بِالنِّسْبَةِ إِلَى وُقُوفه فِي خِدْمَة الْمَخْلُوق اِسْتَثْقَلَ ذَلِكَ الْوُقُوف وَاسْتَطَالَ وَشَكَا مِنْهُ وَكَأَنَّهُ وَاقِف عَلَى الْجَمْر يَتَلَوَّى وَيَتَقَلَّى وَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ كَرَاهَته لِخِدْمَةِ رَبّه وَالْوُقُوف بَيْن يَدَيْهِ فَاَللَّه تَعَالَى أَكْرَهُ لِهَذِهِ الْخِدْمَة مِنْهُ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَان

<<  <  ج: ص:  >  >>