في الشح عن الإنفاق في الغزو وتجهيز الغزاة فالباء على أصلها سببية. إذ ليس المراد النهي عن إلقاء اليد في المهالك، لأن أحدا من العقلاء لا يرمي نفسه، بل المراد تجنب الأسباب المفضية إلى المهالك، أي تنتهي أعمارهم إلى هذه النهاية الأسيفة بسبب ما جنته أيديهم من الشح والإمساك، والقرينة المانعة من إرادة المعنى الأصلي هي حرف الجر (الباء) لأن الفعل ألقى لا يتعدى بالباء، فالباء ليست زائدة وفعل ألقى تضمن معنى رمى والمتعدي بالباء والمفعول محذوف تقديره أنفسكم ولا ترموا أنفسكم بأيديكم إلى التهلكة. وما دام الشح والإمساك مُفضياً إلى المهالك فالنهي عن الأخذ بالأسباب نهي عن السبب وهو خير عاصم.
ومن ذلك قوله تعالى:(تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ).
قال ابن يعيش: وتزاد الباء مع المفعول، في قول المحققين من أصحابنا وتأويله: تُنبت ما تُنبته والدهن فيه فهو كقولك: خرج بثيابه ونحوه فيكون الدهن مفعولا والباء زائدة.
وقال الزمخشري: تنبت وفيها الدهن، وقرئ: تنبت، وفيه وجهان:
أحدهما: أن أنبت بمعنى نبت وأنشد لزهير:
رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم ... قطينا لهم حتى إذا أنبت البقل
والثاني: أن مفعوله محذوف أي تنبت زيتونها وفيه الدهن (الزيت)، وقرئ: تُنبت بضم التاء وحكمه حكم تَنبت وقرأ ابن مسعود: تُخرج الدهن وغيره تَخرج بالدهن، وفي حرف أُبي تثمر بالدهن، وعند بعضهم تنبت