للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فالرفث حين أُشرب معنى الإفضاء أو حَمله، جاء منه معنى التضمين والذي يسميه بعض النحاة: الإشراب أو الحمل.

ووجدت في اللغة من هذا الفن شيئاً كثيراً لا يكاد يُحاط به، ولعله لو جُمع أكثره لجاء كتاباً ضخماً، وقد عرفنا طريقه فإذا مرَّ بك شيء منه فتقبلْه وأنسْ به فإنه فصل من العربية لطيف يدعو إلى الأنس بها والفقه فيها، ومن أجل ذلك أخذتُ به ووضعتُ يدي فيه، لاعتقادي بأنه من أشرفِ علوم العربية وأذهبَ في طرق القياس والنظر وأجمعها لخصائص الصنعة، وعلائق البيان والحكمة، واستعنت اللَّه على عمله، واستمددته من إرشاده وتوفيقه فهو مُؤتي ذلك بقدرته، والمانح بطوله ومشيئته.

ثم إن كل من حكم بزيادة الحروف أو تعاورها أو تماثلها (١)،

فقد زهد بقيمتها أو تشاغل عن خطرها وأعرض عن تدبرها فدخل عليه غلط في فهمها ولَبْس في معرفة مغزاها، وظنون رديةٌ لو علم مغبَّتها لأنِفَتْ نفسه من الرضا بها.

نعم ذهب عدد من المفسرين إلى أن التضمين يجري في الحروف ..


(١) فالمتعدي بنفسه كالمتعدي بالحرف متماثلان لا يجد كثير من المفسرين فرقاً بين المعنيين كاستعنته واستعنت به الكشاف: ١/ ٦٧.
أقول: فإذا تعدى استعان بالباء فقد طلب العون والظهير لنقص قوته عن قضاء حاجته وأداء مهمته. قال تعالى: (استعينوا بالصبر والصلاة) البقرة: الآية ١٥٣. فهاتان قوتان يضيفهما إلى قوته ويستعين بهما لقضاء حاجته، وإذا تعدى بنفسه فلعجزه وانعدام ذاته لدى قضاء مطلوبه، واعتماده بالكلية على سواه كما في قوله تعالى: (وإياك نستعين) الفاتحة الآية ٥. ومعناه هنا أنه تجرد عن كل قوة يملكها فانعدمت ذاته أمام الذات الإلهية، فالله وحده هو السند، هو الظهير وهو المعين وهو المعتمد، وإليه التوجه في كل شأن، وهذه هي العبودية المطلقة، فهل تقول بعد هذا لا فرق بين استعنته واستعنت به؟!

<<  <  ج: ص:  >  >>