ولم أر ظناً أزرى على صاحبه من هذا، حين أبطل المزية في الفعل والتي تتفاوت فيه المنازل، وما أسوأ الشناعة لمكانه.
وما كان ذلك إلا من جهة تسرّعه أو نقصه في علم العربية، لم يدرِ أن في هذه الحروف دقائقَ وأسراراً، طريق المعرفة بها الرويّة، ومستقاها سَفَرُ الخاطر في صيدها حتى يُكشف له عنها، فمن فزع إليها فبالملاطفة والرفق، هذا ما ينبغي للدارس أن يفهمه منها، فلا هي منا بسبيل، وليس لنا فيها شغل، حين نبدل حرفاً بحرف، أو نعيره مكان أخيه، هكذا ساذجاً غُفْلاً، إنما أنت في التضمين أوجبْت للفعل المقدر من الحسن واللطف والخلابة وعلو الطبقة ما ليس للمعنى المبذول في الفعل المثبت، فبإبدالك الحرف وفَرتَ له هذه المزيَّة وكان له هذا الفضل وتلك الملاحة.
وإني لم أزل ملاحظاً لها، عاكفَ الفكر عليها، ليعلم محصول الفضيلة فيها والمزية التي تنسب لها من أين تأتيها، وكيف تعرض فيها .. لتوقَظ لها الهمم، وتوكل بها النفوس، وتُحرك لها الأفكار، وتستخدم فيها الخواطر فلا يُعرض العاقل عنها صفحاً، ولا يطوي دونها كشحاً، وما كان تعريد أكثر المفسرين عنها -حين رمَوْها للتعاور والتناوب أو للزيادة- إلا تحامياً من الخوض في خُلُجها فضلاً عن اقتحام لُججها، وقد أقمت موضوعي على جزأين:
الجزء الأول: جعلته على أربعة فصول:
الفصل الأول: تناولت فيه حروف المعاني، وظيفتها، تحليل مدلولها من خلال سياقها.