للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عائشة رضي الله تعالى عنها قالت فيما روي عنها من قصّة بريرة: إن شاء أهلك أن أعدّها لهم عدّة واحدة فعلت؛ تريد الدراهم التي هي ثمنها. فأرشدهم صلّى الله عليه وسلم إلى الوزن فيها، وجعل العيار وزن أهل مكة دون ما يتفاوت وزنه منها في سائر البلدان، وقد تكلّم الناس في هذا الباب، وهل كانت هذه الدراهم لم تزل في الجاهلية على هذا المعيار، وإنما غيروا السكك منها ونقشوا فيها اسم الله عز وجل، وقام الإسلام والأوقية وزنها أربعون درهما، ولذلك قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة، وهي مائتا درهم. وهذا بلغني عن أبي العباس ابن سريج أنه كان يقوله ويذهب إليه. انتهى.

تنبيه:

أقرب ما يتناول في هذا الاختلاف الواقع في الدرهم الشرعي: هل كان معلوما في عصر النبي صلّى الله عليه وسلم أو غير معلوم القدر، وهو أن يكون معلوم القدر غير موجود العين مثل درهم الصّنجة عندنا الآن، فإنه معلوم القدر غير موجود العين، وإنما توجد صنجته ومنه تتركّب الأوزان التي فوقه بالدينار والأوقية والرطل وغيرها، ومن أبين الأدلّة على ذلك الحديث المتقدم على هذا الباب الذي خرجه النسائي في شرائه صلّى الله عليه وسلم رجل سراويل بثلاثة دراهم، وفيه:

فوزن لي فأرجح لي. والحديث الذي خرجه مسلم (١: ٤٧٠) والبخاري رحمهما الله تعالى عن جابر رضي الله تعالى عنه: اشترى مني النبي صلّى الله عليه وسلم بعيرا بأوقيتين ودرهم أو درهمين، وفيه: ووزن لي ثمن البعير فأرجح لي، وقد تقدم في باب الوزان؛ فلو لم يكن الدرهم معلوما في حين عقد هاتين الصفقتين المباركتين لما صحّ البيع ولما عرف الرجحان الذي أرجح لهما صلّى الله عليه وسلم بعد استيفائهما حقوقهما، والله تعالى أعلم.

وبهذا تتفق الأقوال ويندفع التعارض عنها، فيحمل قول من قال: إن درهم مكة كان معلوما في زمن رسول الله صلّى الله عليه وسلم على أن المراد بذلك قدره ووزنه، لا عينه، ويحمل قول من قال: إن الدراهم كانت غير معلومة إلى أيام

<<  <   >  >>