للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأرسلها إليه، فأرسل إليه مائتى دينار، واستمرّ يرسلها كلّ سنة إلى أن مات- يعنى صاحب اليمن-.

وحصل له مرّة ضرورة فسافر إلى الصّعيد، وتوجّه إلى أسنا للشّيخ بهاء الدّين (١)، فأعطاه دراهم وكتبا، وأعطاه شمس الدّين أحمد بن السّديد (٢) شيئا له صورة.

وكان فيه إنصاف؛ حكى لى شيخنا تاج الدّين الدّشناوىّ (٣) قال: خلوت به مرّة، فقال: يا فقيه فزت برؤية الشّيخ زكىّ الدّين عبد العظيم (٤)؟ فقلت: وبرؤيتك، فكرّر الكلام، وكرّرت الجواب، فقال: كان الشّيخ زكىّ الدّين أدين منّى، ثمّ سكت ساعة وقال: غير أنّى أعلم منه.

وكان يحاسب نفسه على الكلام، ويأخذ عليها بالملام، لكنّه تولّى القضاء فى آخر عمره، وذاق من حلوه ومرّه، وحطّ ذلك عند أهل المعارف والأقدار من علوّ قدره، وحسّن الظنّ ببعض النّاس، فدخل عليه الباس، وحصل له من الملامة نصيب، والمجتهد يخطئ ويصيب، ولو حيل بينه وبين القضاء، لكان عند النّاس أحمد عصره، ومالك دهره، وثورىّ زمانه، والمتقدّم على كثير ممّن تقدّم فكيف على أقرانه؟!، على أنّه عزل نفسه مرّة بعد مرّة، وتنصّل منه كرّة بعد كرّة،/ والمرء لا ينفعه الحذر، والإنسان تحت القضاء والقدر، وكان يقول: والله ما خار الله لمن بلى بالقضاء، [و] أخبرنى الشّيخ شمس الدّين ابن عدلان أنّه قال له ذلك مرّة، وقال: يا فقيه لو لم يكن إلّا طول الوقوف للسؤال والحساب لكفى.


(١) هو هبة الله بن عبد الله، وستأتى ترجمته فى الطالع.
(٢) هو أحمد بن على بن هبة الله، انظر ترجمته ص ١٠٢.
(٣) هو محمد بن أحمد بن عبد الرحمن، انظر ترجمته ص ٤٨٨.
(٤) هو الحافظ المنذرى، انظر الحاشية رقم ٣ ص ٣٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>