وَهَذَا أَيْضًا إذَا سَلِمَ مِنْ الِاجْتِمَاعِ عَلَى الذِّكْرِ مِنْ تَقْطِيعِ الْآيَاتِ لِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ نَفَسُهُ فِي آيَةٍ فَيَتَنَفَّسُ ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يُتِمَّ الْآيَةَ فَيَجِدُ الْجَمَاعَةَ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ مَعَهُ قَدْ سَبَقُوهُ بِالْآيَةِ وَالْآيَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ فَلَا يَجِدُ سَبِيلًا إلَى أَنْ يَقْرَأَ مَا فَاتَهُ لِأَجْلِ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَقْرَأَ مَعَهُمْ حَرْفًا بِحَرْفٍ فَيَحْتَاجُ لِأَجْلِ هَذِهِ الْعِلَّةِ أَنْ يَقْرَأَ بَعْضَ آيَاتٍ وَيَتْرُكَ أُخَرَ فَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ عَلَى غَيْرِ تَرْتِيبِهِ الَّذِي عَلَيْهِ أُنْزِلَ وَفِيهِ مَا فِيهِ مِنْ التَّخْلِيطِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ تَخْتَلِطُ آيَةُ رَحْمَةٍ بِآيَةِ عَذَابٍ وَآيَةُ عَذَابٍ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ فِيهِ مَعْلُومٌ مُشَاهَدٌ لَا يَقْدِرُ مَنْ يَقْرَأُ مَعَ جَمَاعَةٍ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى غَيْرِ مَا وُصِفَ وَلَوْ احْتَرَزَ مَا عَسَى، وَهَذَا أَيْضًا إذْ سَلِمَ مِنْ الْجَهْرِ بِذَلِكَ إلَى أَنْ يَخْرُجَ بِهِ عَنْ حَدِّ السَّمْتِ وَالْوَقَارِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ.
أَلَا تَرَى أَنَّ السُّنَّةَ فِي التَّلْبِيَةِ فِي الْحَجِّ الْجَهْرُ لَكِنَّهُمْ كَرِهُوا أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِحَيْثُ يَعْقِرُ حَلْقَهُ فَإِذَا كَرِهُوا ذَلِكَ فِيمَا شُرِعَ فِيهِ الْجَهْرُ فَمَا بَالُك فِيمَا شُرِعَ فِيهِ الْإِسْرَارُ وَالْإِخْفَاءُ وَكَثِيرًا مَا تَجِدُ مِنْ الْفُقَرَاءِ الَّذِينَ يَقْعُدُونَ لِقِرَاءَةِ هَذِهِ الْأَحْزَابِ تَنْعَقِرُ أَصْوَاتُهُمْ لِشِدَّةِ انْزِعَاجِهِمْ فِي جَهْرِهِمْ وَيَخْرُجُونَ بِذَلِكَ عَنْ حَدِّ السَّمْتِ وَالْوَقَارِ وَهَذَا أَيْضًا مُشَاهَدٌ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ مِمَّنْ بَاشَرَهُمْ وَهَذَا أَيْضًا إذَا سَلِمَ مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي مَسْجِدٍ فَإِنْ كَانَ فِي مَسْجِدٍ فَهُوَ فِي مَوْضِعِ النَّهْيِ سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ خَرَجَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَوَجَدَهُمْ يَتَنَفَّلُونَ وَيَجْهَرُونَ بِالْقُرْآنِ فَقَالَ لَا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقُرْآنِ» وَلِأَنَّ الْمَسْجِدَ إنَّمَا بُنِيَ لِلصَّلَاةِ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ تَبَعٌ لِلصَّلَاةِ مَا لَمْ تَضُرَّ التِّلَاوَةُ بِالصَّلَاةِ الَّتِي بُنِيَتْ الْمَسَاجِدُ لَهَا فَإِذَا أَضَرَّتْ بِهَا مُنِعَتْ وَقَلَّ أَنْ يَخْلُوَ مَسْجِدٌ مِنْ الصَّلَاةِ وَإِنْ خَلَتْ فَهِيَ مُعَرَّضَةٌ لِلصَّلَاةِ فَإِذَا دَخَلَ الدَّاخِلُ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِتَحِيَّتِهِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ لِفَرِيضَةٍ فَإِنْ دَخَلَ لِفَرِيضَةٍ فَمِنْ بَابِ أَوْلَى فَعَلَى كِلَا الْأَمْرَيْنِ فَالدَّاخِلُ إلَى الْمَسْجِدِ يَجِدُ التَّشْوِيشَ بِرَفْعِ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى صَلَاتِهِ فَيُمْنَعُ كُلُّ مَا يُشَوِّشُ عَلَى الْمُصَلِّي.
وَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute