للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَتَطْلُعُ الشَّمْسُ عَلَى هَذَا، وَهُوَ لَمْ يَصِلْ بَعْدُ إلَى أَجْرِ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ لِأَجْلِ تَضْعِيفِ الْأُجُورِ لِذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَهَذَا إذَا كَانَ سَالِمًا مِنْ كُلِّ مَا يُكْرَهُ مِنْ رَفْعِ الصَّوْتِ أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ بِهِ رِيَاءٌ أَوْ سُمْعَةٌ أَوْ حُظْوَةٌ عِنْدَ شَيْخِهِ أَوْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْحَاضِرِينَ أَوْ يُقَالُ عَنْهُ أَوْ يُشَارُ إلَيْهِ أَوْ تُقَبَّلُ يَدُهُ أَوْ يُثْنَى عَلَيْهِ وَهَذَا أَيْضًا إذَا سَلِمَ مِنْ الْعَجَبِ لِأَنَّهُ قَدْ يَرَى أَنَّهُ عَلَى خَيْرٍ عَظِيمٍ بِسَبَبِ تَعْمِيرِهِ لِذَلِكَ الْوَقْتِ بِالذِّكْرِ وَالِاجْتِهَادِ، وَالْبَطَالَةُ لَا نِسْبَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَجَبِ.

وَهَذَا أَيْضًا إذَا سَلِمَ مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي جَمَاعَةٍ مُجْتَمَعِينَ عَلَى ذَلِكَ صَوْتًا وَاحِدًا فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ هَذَا الْبَابِ الَّذِي هُوَ بَابُ الْجَوَازِ إلَى بَابِ هَلْ يُكْرَهُ أَوْ يَجُوزُ لِأَنَّ الذِّكْرَ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ اخْتَلَفَ الشُّيُوخُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِيهِ هَلْ يُعْمَلُ رَعْيًا لِحَقِّ الْفُقَرَاءِ لِكَيْ يَسْلَمُوا مِنْ الْبَطَالَةِ وَالْكَلَامِ فِيمَا لَا يَعْنِي أَوْ لَا يُعْمَلُ فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى فِعْلِهِ رَعْيًا لِلْمَصْلَحَةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى مَنْعِهِ لِأَنَّ تِلْكَ صُورَةٌ لَمْ تَكُنْ لِمَنْ مَضَى وَكَفَى بِهَا وَلَوْ كَانَ فِيهَا التَّنْشِيطُ وَغَيْرُهُ إذْ أَنَّهُ فِي الصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ مُخَالِفٌ لِلِاقْتِدَاءِ.

أَلَا تَرَى إلَى جَوَابِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِعَامِلِهِ حِينَ كَتَبَ لَهُ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ قَدْ كَثُرَ عِنْدَنَا شُرْبُ الْخَمْرِ وَكَثُرَتْ الْحُدُودُ عَلَيْهِمْ وَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ أَفَتَرَى أَنْ أَزِيدَ عَلَى الْحَدِّ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ فَكَتَبَ إلَيْهِ أَمَّا بَعْدُ فَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَحُدَّهُ فَإِنْ شَرِبَ فَحُدَّهُ فَمَنْ لَمْ يَرْجِعْ إلَى الْحَدِّ الْمَشْرُوعِ فَلَا رَدَّهُ اللَّهُ أَوْ كَمَا قَالَ وَكَذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ بِسَبِيلِهِ مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ النَّوْمِ وَالْكَلَامِ فِيمَا لَا يَعْنِي بِمَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ مِنْ الذِّكْرِ وَالتِّلَاوَةِ وَمَجَالِسِ الْعِلْمِ فَلَا رَدَّهُ اللَّهُ

وَلَوْ سُومِحَ فِي هَذَا لَذَهَبَ الدِّينُ مَرَّةً وَاحِدَةً كَمَا تَقَدَّمَ قَبْلُ لِأَنَّهُ إذَا وَجَدْنَا مَنْ لَمْ يَرْجِعْ بِالسُّنَّةِ أَحْدَثْنَا لَهُ فِي الذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ وَغَيْرِهِمَا شَيْئًا لِيَرْجِعَ بِهِ عَمَّا لَا يَنْبَغِي وَفِي هَذَا ذَهَابُ الدِّينِ

وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْ عُمَرَ حَيْثُ سَدَّ هَذَا الْبَابَ فَمَنْ لَمْ يَرْجِعْ مِنْ الْبَابِ الَّذِي فَتَحَ لَهُ الشَّرْعُ فَلَا حَاجَةَ بِهِ. ثُمَّ نَرْجِعُ لِمَا كُنَّا بِسَبِيلِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>