وَمَا شَاكَلَهُ وَمِثْلُ الْكَذِبِ كَقِصَّةِ الْبَطَّالِ وَعَنْتَرَةَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ كَثِيرٌ. وَأَمَّا الَّذِي لَا يَنْبَغِي فَمِثْلُ الْحِكَايَاتِ الْمُضْحِكَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا مِمَّا يَلْهُو بِهِ الْمَرْءُ فَيَحْتَاجُ أَنْ يُحَذَّرَ مِنْ هَذَا وَأَشْبَاهِهِ لِئَلَّا يَدْخُلَ بِذَلِكَ فِي ضِمْنِ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: ٢] {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: ٣] ؛ لِأَنَّهُ إنْ بَاعَ الْوَرَقَ لِمَنْ يَكْتُبُ فِيهِ ذَلِكَ؛ فَقَدْ فَعَلَ مَا لَمْ يَقُلْهُ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَنْوِهِ بِقَلْبِهِ فَيَدْخُلُ بِذَلِكَ تَحْتَ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فَيَرْجِعُ بَعْدَ أَنْ كَانَ فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ إلَى أَسْفَلِ سَافِلِينَ فَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ مَثَلًا: إنِّي لَا أَعْلَمُ فِي الْغَالِبِ حَالَ الْمُشْتَرِي فَالْجَوَابُ أَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي فِي حَقِّ الْبَائِعِ أَنْ يَحْمِلَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الطَّهَارَةِ وَالسَّلَامَةِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ غَيْرُهُمَا، ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِيَ قَلَّ أَنْ لَا يُعْرَفَ حَالُهُ فِي هَذَا الزَّمَانِ بِسَبَبِ غَلَبَةِ الْجَهْلِ عَلَى أَكْثَرِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ مَا هُمْ فِيهِ مُبَاحٌ أَوْ مَكْرُوهٌ بَلْ بَعْضُهُمْ انْغَمَسَ فِي الْجَهْلِ حَتَّى إنَّهُ يَعْتَقِدُ وُجُوبَ ذَلِكَ أَوْ نَدْبَهُ فَلَا يَسْتَحِقُّونَ بِشَيْءٍ مِمَّا هُمْ فِيهِ إذْ إنَّهُ لَا يَسْتَخْفِي أَحَدٌ إلَّا بِالشَّيْءِ الَّذِي هُوَ عِنْدَهُ مَعْصِيَةٌ وَهُمْ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ لَيْسُوا فِي مَعْصِيَةٍ بَلْ بَعْضُهُمْ يَفْتَخِرُ بِذَلِكَ.
وَلْيَحْذَرْ مِنْ أَنَّهُ إذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ فِي الْمُشْتَرِي أَنْ يُظْهِرَ لَهُ الْكَرَاهَةَ بَلْ يَذْكُرَ أَعْذَارًا مَانِعَةً لَهُ مِنْ بَيْعِهِ إذْ إنَّهُ إنْ أَظْهَرَ ذَلِكَ لَهُ أَوْ عَرَضَ لَهُ بِهِ فِي هَذَا الزَّمَانِ تَرَتَّبَتْ بِسَبَبِ ذَلِكَ فِتَنٌ كَثِيرَةٌ قَلَّ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْهَا وَالْأَعْذَارُ كَثِيرَةٌ فَلْيَحْذَرْ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا الَّذِي يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ إذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ أَخْبَارِ النَّاسِ، وَلَا يَكْشِفُ عَنْ أَحْوَالِهِمْ.
فَإِنْ فَعَلَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ بَاعَ لِمَنْ لَا يُرْتَضَى حَالُهُ فِي الشَّرْعِ الشَّرِيفِ مِنْ غَيْرِ شُعُورِهِ بِذَلِكَ فَقَدْ سَلِمَ مِنْ الْإِثْمِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ فَعَلَ مَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْوَرَعِ فِي تَسَبُّبِهِ وَتَصَرُّفِهِ فَذَلِكَ لَهُ حُكْمٌ يَخُصُّهُ وَاَلَّذِي يَخُصُّهُ هُوَ أَنْ لَا يَبِيعَ، وَلَا يَشْتَرِيَ مِمَّنْ يَحُوكُ فِي نَفْسِهِ شَيْءٌ مَا مِمَّا يَكْرَهُهُ الشَّرْعُ الشَّرِيفُ فَإِنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ فَلْيَتَحَيَّلْ عَلَى فَسْخِ الْعَقْدِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ رَدِّ الثَّمَنِ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute