للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَيْسَ مِنْ الرِّجَالِ الَّذِينَ يُسْتَحَى مِنْهُمْ، وَكَذَلِكَ مَنْ لَهَا رِيَاسَةٌ فِي الدُّنْيَا أَوْ لِزَوْجِهَا لَا تَسْتَحِي مِنْ الْغِلْمَانِ، وَلَا مِنْ الْعَوَامّ وَيَرَيْنَ بِزَعْمِهِنَّ أَنَّهُمْ أَقَلُّ مِنْ أَنْ يُسْتَحَى مِنْهُمْ.

ثُمَّ سَرَى ذَلِكَ إلَى كَثِيرٍ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْوَقْتِ يَزْعُمْنَ أَنَّ الطَّوَّافِينَ وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ مِنْ أَصْحَابِ الْحِرَفِ وَالصَّنَائِعِ لَيْسُوا مِنْ الرِّجَالِ الَّذِينَ يُسْتَحَى مِنْهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا أَمَرَ بِهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ حَيْثُ يَقُولُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: ٣٠] {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: ٣١] إلَى آخِرِ الْآيَةِ. فَأَوْقَعَهُنَّ اللَّعِينُ بِتَسْوِيلِهِ فِي الْمُحَرَّمِ بِهَذَا النَّصِّ الصَّرِيحِ وَبِمَا اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ الْمُحَمَّدِيَّةُ أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْ بَلَائِهِ بِمَنِّهِ.

ثُمَّ الْعَجَبُ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ رِجَالِهِنَّ الَّذِينَ هُمْ أَرْجَحُ مِنْهُنَّ عَقْلًا وَأَقْوَمُ دِينًا أَنَّهُمْ يَأْتُونَ إلَى بُيُوتِهِمْ فَيَجِدُونَ الْكَتَّانِيَّ وَمَنْ أَشْبَهَهُ مِنْ الطَّوَّافِينَ كَمَا تَقَدَّمَ مَعَ أَهْلِيهِمْ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْحَدِيثِ، وَلَا يَنْهَوْنَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ الْمُتَقَدِّمَ ذِكْرُهَا بَلْ انْغَمَسَ أَكْثَرُهُمْ فِي الْجَهْلِ مَعَ زَعْمِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ لَا يَجْهَلُونَ وَأَنَّهُمْ عَنْ الطَّرِيقِ الْأَقْوَمِ لَا يَحِيدُونَ فَلَوْ نَبَّهَهُمْ أَحَدٌ مِمَّنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَيْقَظَهُ مِنْ هَذِهِ الْغَمَرَاتِ لَكَانَ الْجَوَابُ أَنْ يَقُولَ: إنِّي لَا أَتَّهِمُ امْرَأَتِي لِمَا أَعْلَمُ مِنْ عِفَّتِهَا وَصِيَانَتِهَا وَأَنَّ الْخِيَانَةَ لَا تَخْطِرُ بِبَالِهَا فَكَيْفَ أَخَافُ عَلَيْهَا. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ دَخَلَ اللَّعِينُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْهُمْ فَأَوْقَعَهُمْ فِي الْمُخَالَفَاتِ بِسَبَبِ تَحْسِينِ ظَنِّهِمْ بِأَزْوَاجِهِمْ.

وَلَوْ قَدَّرْنَا أَنَّ الظَّنَّ وَصَلَ إلَى حَدِّ الْيَقِينِ لَكَانَ ذَلِكَ مَمْنُوعًا شَرْعًا إذْ إنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ أَنْ تَخْرُجَ إلَّا عَلَى زَوْجِهَا أَوْ عَلَى ذِي مَحْرَمٍ مِنْهَا وَهَذِهِ عَوَائِدُ قَدْ اسْتَحْكَمَتْ فَكَثُرَ بِسَبَبِهَا الْوُقُوعُ فِي الْمُخَالَفَاتِ حَتَّى إنَّك لَتَجِدُ الرَّجُلَ إذَا طَلَبَتْ مِنْهُ زَوْجَتُهُ الْكَتَّانَ أَوْ الْمَاءَ أَوْ مَا أَشْبَهَهُمَا يَتْرُكُ عِنْدَهَا ثَمَنَ ذَلِكَ حَتَّى يَعْبُرَ عَلَيْهَا الْكَتَّانِيُّ أَوْ السَّقَّاءُ فَتَشْتَرِي مِنْهُ بِنَفْسِهَا، وَفِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ تَكُونُ وَحْدَهَا فَيَدْخُلُ عَلَيْهَا السَّقَّاءُ

<<  <  ج: ص:  >  >>