أَمَا رَأَيْتنِي أَرْجِعُ تَارَةً عَنْ يَمِينِك وَتَارَةً عَنْ يَسَارِك؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: مَا وَجَدْت شَيْئًا أَغُشُّك بِهِ إلَّا أَنِّي أُتَابِعُ ظِلَّك وَأَطَأُ بِقَدَمِي عَلَى مَوْضِعِ رَأْسِك مِنْهُ خِيفَةَ أَنْ أَخْرُجَ عَنْ دِينِي.
فَإِذَا كَانَ هَذَا أَصْلُ دِينِهِمْ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ فَكَيْفَ يُسْكَنُ إلَى قَوْلِهِمْ أَوْ يُرْجَعُ إلَى وَصْفِهِمْ أَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ بِمَنِّهِ.
وَقَدْ رَأَيْت بَعْضَ مَنْ يُنْسَبُ إلَى الْعِلْمِ وَهُوَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ فِي الْوَقْتِ يَسْتَطِبُّ أَهْلَ الْكِتَابِ مَعَ تَحَقُّقِهِ بِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَيَقُولُ: إنَّهُ لَا يَسْكُنُ إلَى قَوْلِهِمْ بَلْ يَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى عِلْمِهِ وَمَعْرِفَتِهِ وَيَكُونُ قَوْلُهُمْ لَهُ تَأْنِيسًا بِسَبَبِ أَنَّهُ يَطَّلِعُ بِمُشَارَكَتِهِ لَهُمْ فِي عِلْمِ الطِّبِّ فَيَعْلَمُ بِذَلِكَ مَا يَصِفُونَهُ لَهُ فَإِنْ كَانَ غِشًّا أَوْ نُصْحًا اطَّلَعَ عَلَيْهِ. وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا - أَنَّ إخْوَانَهُ الْمُسْلِمِينَ يَقْتَدُونَ بِهِ فِي مُبَاشَرَةِ أَهْلِ الْأَدْيَانِ الْبَاطِلَةِ لَهُمْ وَهُمْ لَيْسُوا فِي الْمَعْرِفَةِ مِثْلَهُ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْرِفُونَ شَيْئًا مِنْ الطِّبِّ أَصْلًا.
الْوَجْهُ الثَّانِي - أَنَّهُ لَا يَأْمَنُ الْغَفْلَةَ عَنْ أَنْ يَدُسُّوا عَلَيْهِ شَيْئًا فِي الْأَدْوِيَةِ وَالْعَقَاقِيرِ الَّتِي يَصِفُونَهَا فَيَسْتَعْمِلَهَا فَتَكُونَ سَبَبًا فِي ضَرَرِهِ بِسَبَبِ أَنَّهُمْ لَا يُعْطُونَ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا مِنْ الْأَدْوِيَةِ الَّتِي تَضُرُّهُ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ فَعَلُوا ذَلِكَ لَظَهَرَ غِشُّهُمْ وَانْقَطَعَتْ مَادَّةُ مَعَاشِهِمْ لَكِنَّهُمْ يُضِيفُونَ لَهُ مِنْ الْأَدْوِيَةِ مَا يَلِيقُ بِذَلِكَ الْمَرَضِ وَيُظْهِرُونَ الصَّنْعَةَ فِيهِ وَالنُّصْحَ وَقَدْ يَتَعَافَى الْمَرِيضُ فَيُنْسَبُ ذَلِكَ إلَى حِذْقِ الطَّبِيبِ وَمَعْرِفَتِهِ؛ لِيَقَعَ عَلَيْهِ الْمَعَاشُ كَثِيرًا بِسَبَبِ مَا وَقَعَ لَهُ مِنْ الثَّنَاءِ عَلَى نُصْحِهِ فِي صَنْعَتِهِ لَكِنَّهُ يَدُسُّ فِي أَثْنَاءِ وَصْفِهِ حَاجَةً لَا يُفْطَنُ لِمَا فِيهَا مِنْ الضَّرَرِ غَالِبًا وَتَكُونُ تِلْكَ الْحَاجَةُ مِمَّا تَنْفَعُ ذَلِكَ الْمَرِيضَ وَيَنْتَعِشُ مِنْهُ فِي الْحَالِ لَكِنَّهُ يَبْقَى الْمَرِيضُ بَعْدَهَا مُدَّةً فِي صِحَّةٍ وَعَافِيَةٍ ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ بِالضَّرَرِ فِي آخِرِ الْحَالِ وَقَدْ يَدُسُّ حَاجَةً أُخْرَى كَمَا تَقَدَّمَ لَكِنَّهُ إنْ جَامَعَ انْتَكَسَ وَمَاتَ، وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ فِي حَاجَةٍ أُخْرَى يَصِحُّ الْمَرِيضُ بَعْدَ اسْتِعْمَالِهَا لَكِنَّهُ إذَا دَخَلَ الْحَمَّامَ انْتَكَسَ وَمَاتَ. وَقَدْ يَدُسُّ حَاجَةً أُخْرَى فَإِذَا اسْتَعْمَلَهَا الْمَرِيضُ صَحَّ وَقَامَ مِنْ مَرَضِهِ لَكِنْ لَهَا مُدَّةٌ فَإِذَا انْقَضَتْ تِلْكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute