الْمُدَّةُ عَادَتْ بِالضَّرَرِ عَلَيْهِ وَتَخْتَلِفُ الْمُدَّةُ فِي ذَلِكَ فَمِنْهَا مَا يَكُونُ مُدَّتُهَا سَنَةً أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ غِشِّهِمْ وَهُوَ كَثِيرٌ.
ثُمَّ يَتَعَلَّلُ عَدُوُّ اللَّهِ بِأَنَّ هَذَا مَرَضٌ آخَرُ دَخَلَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لِي فِيهِ حِيلَةٌ فَلَوْ سَلِمَ مِنْهُ لَعَاشَ وَصَحَّ وَيُظْهِرُ التَّأَسُّفَ وَالْحُزْنَ عَلَى مَا أَصَابَ الْمَرِيضَ ثُمَّ يَصِفُ بَعْدَ ذَلِكَ أَشْيَاءَ تَنْفَعُ لِمَرَضِهِ لَكِنَّهَا لَا تُفِيدُ بَعْدَ أَنْ فَاتَ الْأَمْرُ فِيهِ فَيَنْصَحُ حَيْثُ لَا يَنْفَعُ نُصْحُهُ فَمَنْ يَرَى ذَلِكَ مِنْهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ مِنْ النَّاصِحِينَ وَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ الْغَاشِّينَ. وَقَدْ قِيلَ:
كُلُّ الْعَدَاوَةِ قَدْ تُرْجَى إزَالَتُهَا ... إلَّا عَدَاوَةَ مَنْ عَادَاك فِي الدِّينِ
وَقَدْ يَسْتَعْمِلُونَ النُّصْحَ فِي وَصْفِهِمْ، وَلَا يَغُشُّونَ بَعْضَ النَّاسِ بِشَيْءٍ إذَا كَانُوا مِمَّنْ لَا خَطَرَ لَهُمْ فِي الدِّينِ، وَلَا عِلْمَ كَمَا تَقَدَّمَ وَذَلِكَ أَيْضًا مِنْ الْغِشِّ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَنْصَحُوا لَمَا حَصَلَتْ لَهُمْ الشُّهْرَةُ بِالْمَعْرِفَةِ بِالطِّبِّ وَلَتَعَطَّلَ عَلَيْهِمْ مَعَاشُهُمْ وَقَدْ يُتَفَطَّنُ لِغِشِّهِمْ فَلَا بُدَّ مِنْ إظْهَارِ مَعْرِفَتِهِمْ وَنُصْحِهِمْ فَيَسْتَعْمِلُونَ ذَلِكَ مَعَ هَذَا الصِّنْفِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ أَعْنِي مَنْ لَا خَطَرَ لَهُ فِي الدِّينِ كَالْعَوَامِّ وَالْعَبِيدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَمِنْ غِشِّهِمْ نُصْحُهُمْ لِبَعْضِ مَنْ يُبَاشِرُونَهُ مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا لِيَشْتَهِرُوا بِذَلِكَ وَتَحْصُلُ لَهُمْ الْحُظْوَةُ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَ كَثِيرٍ مِمَّنْ شَابَهَهُمْ وَيَتَسَلَّطُونَ بِسَبَبِ ذَلِكَ عَلَى قَتْلِ الْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَهَذَا النَّوْعُ مَوْجُودٌ ظَاهِرٌ. وَقَدْ يَنْصَحُونَ الْعُلَمَاءَ وَالصَّالِحِينَ وَذَلِكَ مِنْهُمْ غِشٌّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ لِكَيْ تَحْصُلَ لَهُمْ الشُّهْرَةُ وَتَظْهَرَ صَنْعَتُهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي غَيْرِهِمْ فَيَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا إلَى إتْلَافِ مَنْ يُرِيدُونَ إتْلَافَهُ مِنْهُمْ وَهَذَا مِنْهُمْ مَكْرٌ عَظِيمٌ. فَالْحَاصِلُ مِنْ أَحْوَالِهِمْ أَنَّهُمْ يُظْهِرُونَ صَنْعَتَهُمْ فِي قَوْمٍ لِتَمْشِيَةِ مَعَاشِهِمْ وَيَسْتَعْمِلُونَ دِينَهُمْ فِي آخَرِينَ وَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يَتَعَيَّنُ أَنْ لَا يُرْكَنَ إلَيْهِ، وَلَا يُسْكَنَ إلَى وَصْفِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا خَطَرٌ عَظِيمٌ إذْ إنَّ كُلَّ صَنْعَةٍ إذَا أَخْطَأَ صَاحِبُهَا فِيهَا قَدْ يُمْكِنُ تَلَافِيهَا إلَّا هَذَا فَإِنَّ الْخَطَأَ فِيهَا إتْلَافٌ لِلنُّفُوسِ وَكُلُّ مَنْ لَهُ عَقْلٌ لَا يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ فَإِنَّ مَنْ خَاطَرَ بِنَفْسِهِ يُخْشَى عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ فِي عُمُومِ النَّهْيِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute