فِيمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ.
وَقَدْ حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ عِلْمَ الطِّبِّ عَلَى بَعْضِ شُيُوخِ الْمَغَارِبَةِ بِمِصْرَ قَالَ: وَكَانَ بَعْضُ الرُّؤَسَاءِ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ لَهُ طَبِيبٌ يَهُودِيٌّ فَغَضِبَ عَلَيْهِ وَهَجَرَهُ وَطَرَدَهُ فَبَقِيَ الْيَهُودِيُّ يَتَوَسَّلُ إلَيْهِ بِالنَّاسِ وَهُوَ لَا يُقْبِلُ عَلَيْهِ فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: وَاَللَّهِ لَأَذْبَحَنَّهُ ذَبْحًا، فَمَا زَالَ الْيَهُودِيُّ يَتَحَيَّلُ حَتَّى أَقْبَلَ عَلَيْهِ وَصَفَحَ عَنْهُ، ثُمَّ إنَّهُ مَرِضَ ذَلِكَ الرَّئِيسُ مَرَضًا شَدِيدًا قَالَ: فَكُنْت يَوْمًا أَقْرَأُ عَلَى الشَّيْخِ فِي بَيْتِهِ إذْ جَاءَهُ جَمَاعَةٌ يَطْلُبُونَهُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَهُمْ إلَى بَيْتِ الْمَرِيضِ فَأَبَى فَمَا زَالُوا بِهِ حَتَّى أَنْعَمَ لَهُمْ فَخَرَجَ مَعَهُمْ وَقَالَ لِي: اجْلِسْ هُنَا حَتَّى آتِي فَمَا هُوَ إلَّا قَلِيلٌ وَرَجَعَ وَهُوَ يُرْعِدُ فَقُلْت: مَا الْخَبَرُ فَقَالَ لِي: سَأَلْتهمْ عَمَّا وَصَفَهُ الْيَهُودِيُّ لَهُ فَوَجَدْته قَدْ ذَبَحَهُ ذَبْحًا فَمَا كُنْت لِأَدْخُلَ عَلَيْهِ إذْ إنَّهُ لَا يُرْتَجَى وَلِئَلَّا يَنْسِبَ الْيَهُودِيُّ ذَلِكَ إلَيَّ وَقَالَ لِي: لَا بَقَاءَ لَهُ بَعْدَ الْيَوْمِ فَكَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَأَصْبَحَ مَيِّتًا وَهَذَا بَعْضُ تَنْبِيهٍ عَلَى غِشِّهِمْ وَخِيَانَتِهِمْ وَأَحْوَالُهُمْ فِي هَذَا وَغَيْرِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ أَوْ تَرْجِعَ إلَى قَانُونٍ مَعْلُومٍ؛ لِأَنَّ الْخَيْرَ يَنْحَصِرُ وَالشَّرَّ لَا يَنْحَصِرُ. فَلْيَنْظُرْ الْعَاقِلُ لِنَفْسِهِ بِنَفْسِهِ وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْعَاقِلَ مَنْ اتَّعَظَ بِغَيْرِهِ فَكُنْ عَاقِلًا أَوْ مُقَلِّدًا لِلْعُقَلَاءِ وَإِيَّاكَ وَاتِّبَاعَ أَخِي الْجَهَالَةِ فَإِنَّهُ مُؤْذٍ نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ بِمَنِّهِ. وَبَعْضُ النَّاسِ يَتَحَفَّظُ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ عَلَى زَعْمِهِ فَيَأْخُذُ طَبِيبًا مُسْلِمًا وَطَبِيبًا نَصْرَانِيًّا أَوْ يَهُودِيًّا فَيَعْرِضُ مَا يَصِفُهُ الْكَافِرُ عَلَى الْمُسْلِمِ وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ أَيْضًا. وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ:
الْأَوَّلُ - مَا تَقَدَّمَ قَبْلُ مِنْ أَنَّ الْمُسْلِمَ قَدْ يَغْفُلُ عَنْ بَعْضِ جُزْئِيَّاتِ مَا وَصَفَهُ الْيَهُودِيُّ أَوْ النَّصْرَانِيُّ.
الثَّانِي - مَا فِيهِ مِنْ اقْتِدَاءِ الْغَيْرِ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
الثَّالِثُ - مَا فِيهِ مِنْ الْإِعَانَةِ لَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ بِمَا يُعْطِيه لَهُمْ.
الرَّابِعُ - مَا فِيهِ مِنْ ذِلَّةِ الْمُسْلِمِ لَهُمْ.
الْخَامِسُ - مَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِ شَأْنِهِمْ سِيَّمَا إنْ كَانَ الْمَرِيضُ الَّذِي يُبَاشِرُونَهُ رَئِيسًا فَإِنَّهُمْ يَتَفَاخَرُونَ بِمُعَالَجَتِهِ وَيَتَعَزَّزُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِسَبَبِ وَصْلَتِهِمْ بِهِ وَالتَّرَدُّدِ لِبَابِهِ وَقَدْ أَمَرَ الشَّارِعُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِتَصْغِيرِ شَأْنِهِمْ وَهَذَا عَكْسُهُ.
السَّادِسُ - مَا فِيهِ مِنْ الْقُبْحِ وَالشَّنَاعَةِ إنْ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute