مِنْ أَنْ تُحْصَرَ وَأَشْهَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ. فَهَذَا الِاسْتِدْلَال مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيِّنٌ فِي الْجَهْرِ لَيْسَ إلَّا دُونَ أَنْ يَكُونُوا عَلَى مَا يُعْهَدُ الْيَوْمَ مِنْ الْجَمْعِ عَلَى ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَيْضًا رَاجِعٌ إلَى الْمَوَاضِعِ الَّتِي رُوِيَ عَنْهُمْ فِيهَا الْجَهْرُ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُرْوَ عَنْهُمْ ذَلِكَ مُطْلَقًا بَلْ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ فَكَانُوا يَجْهَرُونَ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ قَدْ كَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَتَوَاعَدُونَ لِضَرُورَاتِهِمْ لِقِيَامِ الْقُرَّاءِ بِاللَّيْلِ وَكَذَلِكَ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمْ فَيَقْرَأُ لَهُمْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لِكَيْ يَسْمَعُوا كَلَامَ رَبِّهِمْ وَكَذَلِكَ عِنْدَ إحْرَامِهِمْ بِالْحَجِّ وَتَلْبِيَتِهِمْ طُولَ إحْرَامِهِمْ وَذِكْرِهِمْ بَعْدَ الْإِحْلَالِ مِنْ إحْرَامِهِمْ بِمِنًى كَانُوا يَسْمَعُونَ تَكْبِيرَ أَهْلِ مِنًى وَهُمْ بِمَكَّةَ لِأَجْلِ اتِّصَالِ التَّكْبِيرِ وَكَثْرَةِ النَّاسِ وَكَذَلِكَ فِي مَجَالِسِ عِلْمِهِمْ وَفِي تَعَلُّمِهِمْ وَتَعْلِيمِهِمْ وَفِي إقْرَائِهِمْ وَفِي مُذَاكَرَتِهِمْ وَبَحْثِهِمْ وَكَذَلِكَ عِنْدَ إرَادَةِ الْإِمَامِ تَعْلِيمَ الْمَأْمُومِينَ عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ الشَّافِعِيُّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُشْبِهُ مَا ذُكِرَ مِنْ جَهْرِهِمْ فِي مَوَاضِعَ مَخْصُوصَةٍ مَعْلُومَةٍ وَالْمَقْصُودُ أَنْ يُحْمَلَ مَا وَرَدَ عَنْهُمْ مِنْ الْجَهْرِ عَلَى مَا وَرَدَ عَنْهُمْ، وَعَلَى مَا تَأَوَّلَهُ الْعُلَمَاءُ عَنْهُمْ، وَعَلَى مَا وَقَعَ مِنْهُمْ مِنْ الِاجْتِمَاعِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ، وَهُوَ مَا نَقَلَهُ ابْنُ بَطَّالٍ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ تَقَدَّمَ وَكُلُّ مَا وَرَدَ عَلَيْك مِمَّا يُشْبِهُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الْمُتَقَدِّمَ ذِكْرُهَا فَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ عَنْهَا إنْ رُجِعَ إلَى نَقْلِ الْعُلَمَاءِ وَمَنْ يَتَأَوَّلُ الْأَحَادِيثَ بِحَسَبِ فَهْمِهِ وَيَتْرُكُ تَأْوِيلَ الْأَئِمَّةِ وَالْعُلَمَاءِ فَلَا يَرْجِعُ إلَيْهِ فَالْحَاصِلُ مِنْ هَذَا الْبَحْثِ كُلِّهِ وَزُبْدَتِهِ وَفَائِدَتِهِ هُوَ أَنَّ مَا وَرَدَ مِنْ الْأَحَادِيثِ مِنْ ذِكْرِ الْفَضَائِلِ وَالْخَيْرَاتِ فِي مَجَالِسِ الذِّكْرِ فَالْمُرَادُ بِهَا هَذَا الْمَجْلِسُ الَّذِي جَلَسَهُ هَذَا الْعَالِمُ لِتَعْلِيمِ الْأَحْكَامِ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَذْكَارِ دَاخِلٌ مُنْطَوٍ تَحْتَ فَضِيلَةِ هَذَا الْمَجْلِسِ وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَحْتَرِمَهُ وَيُعَظِّمَهُ إذْ أَنَّهُ أَعْظَمُ شَعَائِرِ الدِّينِ وَأَزْكَاهَا وَأَرْجَحُهَا.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: ٣٢] ، وَقَالَ تَعَالَى {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج: ٣٠] وَمِنْ جُمْلَةِ التَّعْظِيمِ لِهَذِهِ الشَّعِيرَةِ الْعُظْمَى الْإِجْلَالُ لَهَا بِالْفِعْلِ فَإِذَا نَطَقَ بِلِسَانِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحْكَامِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute