بِالْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ فَيَكُونُ هُوَ أَوَّلُ مَنْ يُبَادِرُ إلَى فِعْلِ الْوَاجِبِ أَوْ النَّدْبِ لِيَتَّصِفَ بِالْعَمَلِ كَمَا اتَّصَفَ بِالْقَوْلِ لِئَلَّا يَدْخُلَ فِي قَوْله تَعَالَى {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: ٣]
وَهَذَا مِثْلُ مَا قَالَهُ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي الْمُؤَذِّنِ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنَّ يُؤَذِّنَ عَلَى طَهَارَةٍ لِيَكُونَ عَقِبَ أَذَانِهِ يَرْكَعُ لِأَنَّهُ مُنَادٍ إلَى الصَّلَاةِ فَيَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُبَادِرُ لِمَا نَادَى إلَيْهِ لِيَنْتَفِعَ النَّاسُ بِأَذَانِهِ لِأَجْلِ عَمَلِهِ لِأَنَّ الْأَمْرَ إذَا خَرَجَ مِنْ عَامِلٍ انْتَفَعَ بِهِ مَنْ سَمِعَهُ، وَإِذَا خَرَجَ مِنْ غَيْرِ عَامِلٍ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ فَيُسْتَحَبُّ لِأَجْلِ هَذَا أَنْ يَكُونَ الْعَالِمُ أَوَّلَ مَنْ يُبَادِرُ إلَى مَا يَأْمُرُ بِهِ حَتَّى يَنْتَفِعَ النَّاسُ بِأَمْرِهِ.
وَكَذَلِكَ أَيْضًا يَنْبَغِي لَهُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا ذَكَرَ الْمُحَرَّمَ أَوْ الْمَكْرُوهَ أَنْ يَكُونَ أَوَّلَ مَنْ يُبَادِرُ إلَى التَّرْكِ فَيَكُونُ سَالِمًا مِنْ ارْتِكَابِ الْمَحْذُورَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ بِحَسَبِ جَهْدِهِ وَطَاقَتِهِ وَمُرُوءَتِهِ وَهَذَا آكَدُ مِنْ الْأَوَّلِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ وَاخْتِلَافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.
فَمَا وَقَعَ النَّهْيُ عَنْهُ فَلَا يُقْرَبُ لِنَصِّ هَذَا الْحَدِيثِ وَالنَّهْيُ إذَا وَرَدَ يَتَنَاوَلُ الْمُحَرَّمَ وَالْمَكْرُوهَ كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ إذَا وَرَدَ يَتَنَاوَلُ الْوَاجِبَ وَالْمَنْدُوبَ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ هَذَا الْعَالِمُ عَلَى التَّرْكِ بِالْكُلِّيَّةِ وَغَلَبَتْهُ نَفْسُهُ فِي ارْتِكَابِ شَيْءٍ مِنْ الْمَكْرُوهَاتِ أَوْ الْبِدَعِ فَلْيَحْذَرْ كُلَّ الْحَذَرِ أَنْ يَطْلُعَ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ فَيَكُونُ مُسْتَتِرًا وَيَتُوبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ وَقْتٍ يَقَعُ ذَلِكَ مِنْهُ، وَهُوَ أَقَلُّ الْمَرَاتِبِ فِي حَقِّهِ وَإِنْ كَانَ هَذَا مُعْتَبَرًا فِي حَقِّ النَّاسِ كُلِّهِمْ أَعْنِي التَّسَتُّرَ بِالْبِدَعِ وَالْمُخَالَفَاتِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ بُلِيَ مِنْكُمْ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ بِشَيْءٍ فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ أَبْدَى لَنَا صَفْحَةَ وَجْهِهِ أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ» ) أَوْ كَمَا قَالَ وَالْحُدُودُ رَاجِعَةٌ إلَى حَالِ مَا يَقَعُ مِنْ الشَّخْصِ فَرُبَّ فِعْلٍ حَدُّهُ الْجَلْدُ وَآخَرَ حَدُّهُ الْهِجْرَانُ وَآخَرَ حَدُّهُ الْبُغْضُ وَآخَرَ حَدُّهُ الزَّجْرُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ نَصَّ عَلَيْهِ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute