للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا يَرَى أَنَّهُ أَرْفَقُ بِهِ.

فَأَمَّا الطَّبِيبُ فَهُوَ الْعَالِمُ بِحَقِيقَةِ الدَّاءِ وَالدَّوَاءِ وَالْقَادِرُ عَلَى الصِّحَّةِ وَالشِّفَاءِ وَلَيْسَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ إلَّا الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُسَمَّى بِهَذَا الِاسْمِ أَحَدٌ سِوَاهُ.

ثُمَّ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنْ لَا طَبِيبَ، وَلَا شَافِيَ، وَلَا مُصَحِّحَ عَلَى الْإِطْلَاقِ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ خَلَقَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ فَهُوَ الطَّبِيبُ فَيَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ وَيَنْقَطِعُ إلَيْهِ وَيَعْتَصِمُ بِهِ وَيَلْجَأُ فِي مَرَضِهِ وَصِحَّتِهِ إلَيْهِ ثِقَةً بِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ عَلِمَ أَيَّامَ الْمَرَضِ وَأَيَّامَ الصِّحَّةِ فَلَوْ حَرَصَ الْخَلْقُ عَلَى تَقْلِيلِ ذَلِكَ أَوْ زِيَادَتِهِ لَمَا قَدَرُوا.

قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد: ٢٢] ثُمَّ يَتَنَاوَلُ الدَّوَاءَ وَيَسْتَعْمِلُهُ كَمَا يَسْتَعْمِلُ جَمِيعَ الْأَسْبَابِ بِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إنْ أَوْصَلَهُ إلَى الدَّوَاءِ بَرِئَ وَإِنْ حَجَبَهُ بِمَانِعٍ يَمْنَعُهُ وَقَدَّرَ بِمَوْتِهِ لَمْ يَنْفَعْهُ. لَكِنَّهُ مَأْجُورٌ عَلَى مَا أُمِرَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ. قَالَ اللَّهُ الْعَظِيمُ {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: ٨٢] وَقَالَ تَعَالَى {يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل: ٦٩] وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ (عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ: «قَالَتْ الْأَعْرَابُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَتَدَاوَى؟ قَالَ: نَعَمْ يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَدَعْ دَاءً إلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً إلَّا دَاءً وَاحِدًا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُوَ؟ قَالَ الْهَرَمُ» قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وَخَرَّجَ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِذَا أَصَابَ دَوَاءٌ الدَّاءَ بَرِئَ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى» هَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْأَئِمَّةِ مِنْ الْفُقَهَاءِ فِي إبَاحَةِ الدَّوَاءِ وَالِاسْتِرْقَاءِ وَشُرْبِ الدَّوَاءِ.

وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي خُزَامَةَ بْنِ مَعْمَرٍ قَالَ «سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت رُقًى نَسْتَرْقِيهَا وَأَدْوِيَةً نَتَدَاوَى بِهَا أَتَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ؟ قَالَ: هِيَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

ثُمَّ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

<<  <  ج: ص:  >  >>