ابْنُ آدَمَ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ حَسْبُ ابْنَ آدَمَ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ» خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا: لَوْ سَمِعَ بُقْرَاطُ بِهَذِهِ الْقِسْمَةِ لَعَجِبَ مِنْ هَذِهِ الْحِكْمَةِ. وَقَالُوا: لَيْسَ لِلْبِطْنَةِ أَنْفَعُ مِنْ جَوْعَةٍ تَتْبَعُهَا.
وَآكَدُ مَا عَلَى الْمَرِيضِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ قُوَّةُ الْيَقِينِ وَالتَّصْدِيقُ نَحْوٌ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي الْقِسْمِ الَّذِي قَبْلَهُ فَيَمْشِي عَلَى قَاعِدَةِ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فِي أَنَّ الْأَشْيَاءَ لَا تُؤَثِّرُ بِذَوَاتِهَا، وَلَا بِخَاصِّيَّةٍ فِيهَا بَلْ بِمَحْضِ اعْتِقَادِهِ بِأَنَّهُ لَا فَاعِلَ عَلَى الْحَقِيقَةِ إلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِشَيْءٍ مِنْ الْمُحْدَثَاتِ فِي شَيْءٍ فَالدَّوَاءُ لَا يَنْفَعُ بِنَفْسِهِ بَلْ الشِّفَاءُ وَغَيْرُهُ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَخْلُقُهُ عِنْدَهُ إنْ شَاءَ وَيَمْنَعُهُ إنْ شَاءَ وَيُمْرِضُ بِهِ إنْ شَاءَ وَمِثْلُهُ الْخُبْزُ لَا يُشْبِعُ بِنَفْسِهِ وَالْمَاءُ لَا يَرْوِي وَالنَّارُ لَا تُحْرِقُ وَالسِّكِّينُ لَا تَقْطَعُ فَلَوْ شَاءَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا يُشْبِعَ بِالْخُبْزِ لَفَعَلَ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ لَا يَرْوِيَ بِالْمَاءِ لَفَعَلَ.
وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى لَهُ قَالَ خَرَّجَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِإِسْنَادِهِ إلَى «أَبِي رِمْثَةَ قَالَ أَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَبِي فَرَأَى الَّتِي بِظَهْرِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أُعَالِجُهَا فَإِنِّي طَبِيبٌ؟ قَالَ: لَا أَنْتَ رَفِيقٌ وَاَللَّهُ الطَّبِيبُ» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي رِمْثَةَ فِي هَذَا الْخَبَرِ قَالَ: «فَقَالَ لَهُ: أَرِنِي هَذِهِ الَّتِي بِظَهْرِك فَإِنِّي رَجُلٌ طَبِيبٌ؛ قَالَ: اللَّهُ الطَّبِيبُ بَلْ أَنْتَ رَجُلٌ رَفِيقٌ طَبِيبُهَا الَّذِي خَلَقَهَا» .
قَالَ الْحَلِيمِيُّ وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ الْمُعَالِجَ لِلْمَرِيضِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَإِنْ كَانَ حَاذِقًا مُتَقَدِّمًا فِي صَنْعَتِهِ فَإِنَّهُ لَا يُحِيطُ عِلْمًا بِنَفْسِ الدَّوَاءِ وَإِنْ عَرَفَهُ وَمَيَّزَهُ فَلَا يَعْرِفُ مِقْدَارَهُ، وَلَا مِقْدَارَ مَا اسْتَوَى عَلَيْهِ مِنْ بَدَنِ الْعَلِيلِ وَقُوَّتِهِ، وَلَا يُقْدِمُ عَلَى مُعَالَجَتِهِ إلَّا مُصَمِّمًا عَالِمًا بِالْأَغْلَبِ مِنْ رَأْيِهِ وَفَهْمِهِ؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ فِي مَنْزِلَةِ الدَّوَاءِ كَمَنْزِلَةِ الْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي عِلْمِ الدَّاءِ فَهُوَ كَذَلِكَ رُبَّمَا يُصِيبُ وَرُبَّمَا يُخْطِئُ وَرُبَّمَا يَزِيدُ فَيَغْلُو وَرُبَّمَا يُنْقِصُ فَيَلْغُو. فَاسْمُ الرَّفِيقِ إذَنْ أَوْلَى بِهِ مِنْ اسْمِ الطَّبِيبِ؛ لِأَنَّهُ يَرْفُقُ بِالْعَلِيلِ فَيَحْمِيه مِمَّا يُخْشَى أَنْ لَا يَتَحَمَّلَهُ بَدَنُهُ وَبِسَقْيِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute