أَوْ دُهْنَ الْوَرْدِ، وَلَا رَائِحَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي وَاحِدٍ مِنْ الدُّهْنَيْنِ فَلِهَذَا يَجِبُ أَنْ تُخْتَبَرَ الْأَشْرِبَةُ بِطَعْمِهَا وَكُلُّ شَرَابٍ يُتَّخَذُ فَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يُنْقَعَ فِي الْمَاءِ مَعَ الْأَدْوِيَةِ ثُمَّ يُرْفَعَ عَلَى نَارٍ لَيِّنَةٍ حَتَّى يَأْخُذَ الْمَاءُ طَعْمَ ذَلِكَ الدَّوَاءِ وَرَائِحَتَهُ وَيَتَغَيَّرَ لَوْنُ الْمَاءِ تَغْيِيرًا ظَاهِرًا، فَحِينَئِذٍ يُصَفَّى وَيُضَافُ إلَى صَافِي السُّكَّرِ أَوْ الْعَسَلِ وَيُعْقَدُ شَرَابًا وَلَيْسَ عَلَى الْحَقِيقَةِ ذَلِكَ بِوَزْنِ الصُّنُوجِ وَإِنَّمَا هُوَ بِأَنْ يَكْتَسِبَ الطَّعْمَ أَوْ الرَّائِحَةَ وَيَتَغَيَّرَ اللَّوْنُ وَلِهَذَا السَّبَبِ قَلَّمَا أُفْتِي بِشَرَابٍ مَعْلُومٍ وَإِنَّمَا أُفْتِي بِأَدْوِيَةٍ تُطْبَخُ عَلَى مَا أَكُونُ أَرْسُمُ. وَأَمَّا الْأَدْهَانُ فَاخْتِبَارُهَا بِنَحْوِ هَذَا، وَأَفْضَلُ أَدْهَانِ الْأَدْوِيَةِ مَا كَانَ طَعْمُ الدَّوَاءِ وَرَائِحَتُهُ يُوجَدَانِ فِي الدُّهْنِ وَإِنْ كَانَ لَهُ لَوْنٌ ظَاهِرٌ أَنْ يَتَبَيَّنَ فِي الدُّهْنِ انْتَهَى.
وَمَا ذَكَرَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِخِلَافِ مَا الْحَالُ عَلَيْهِ الْيَوْمَ فَإِنَّك تَجِدُ الْأَشْرِبَةَ عِنْدَهُمْ فِي غَايَةِ الصَّفَاءِ وَالشُّرُوقِ. وَلَوْ أَنَّ بَعْضَهُمْ عَمِلَ شَرَابًا عَلَى مُقْتَضَى الصَّنْعَةِ أَوْ بَعْضِهَا لَأَخَذَ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى يَدِهِ بَلْ يُؤْذُونَهُ أَوْ يُقِيمُونَهُ مِنْ السُّوقِ وَكُلُّ ذَلِكَ سَبَبُهُ عَدَمُ الْمَعْرِفَةِ بِالصَّنْعَةِ عَلَى وَجْهِهَا.
وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ زَهْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّ وَالِدَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ يَقُولُ: إذَا صَفَا شَرَابُ الصَّيْدَلَانِيِّ كَدُرَ دِينُهُ، وَالصَّيْدَلَانِيّ هُوَ الْعَطَّارُ وَهُوَ عِنْدَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يَبِيعُ الْأَشْرِبَةَ فَإِذَا عَمِلَ الشَّرَابَ صَافِيًا فَقَدْ غَشَّ النَّاسَ بِذَلِكَ وَإِذَا غَشَّ كَدُرَ دِينُهُ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إذَا كَانَ الطَّبِيبُ حَاذِقًا وَالصَّيْدَلَانِيّ صَادِقًا وَالْمَرِيضُ مُوَافِقًا قَلَّ لُبْثُ الْعِلَّةِ.
وَقَدْ أَعْطَى ابْنُ زَهْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَانُونًا كُلِّيًّا فِي عَمَلِ الْأَشْرِبَةِ وَالْأَدْوِيَةِ وَالْأَدْهَانِ فَمَنْ أَرَادَهُ فَلْيَقِفْ عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ. وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقْصِدَ الْمُشْتَرِي لِلشَّرَابِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَدْوِيَةِ وَالْعَقَاقِيرِ مَنْ يَكُونُ مَعْرُوفًا بِالدِّينِ وَالنَّصِيحَةِ وَيَكُونُ عِنْدَهُ مَعْرِفَةٌ بِصَلَاحِ الشَّرَابِ وَفَسَادِهِ لِأَجْلِ أَنَّ الْمَرِيضَ أَقَلُّ شَيْءٍ مِنْ الْغِشِّ يَكُونُ فِيمَا يَسْتَعْمِلُهُ مِنْ الشَّرَابِ وَغَيْرِهِ يُكَدِّرُ عَلَيْهِ وَقَدْ يَئُولُ إلَى التَّلَفِ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ لِأَجْلِ ذَلِكَ الْمُحَافَظَةُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. وَإِنْ كَانَ الشَّرَابِيُّ عِنْدَهُ مَعْرِفَةٌ بِالطِّبِّ أَوْ بِطَرَفٍ مِنْهُ فَيَتَأَكَّدُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute