عَلَيْهِ بِسَبَبِ مَا تَقَدَّمَ.
وَقَدْ وَرَدَ «مَنْ أَكَلَ الْحَلَالَ أَطَاعَ اللَّهَ شَاءَ أَوْ أَبَى وَمَنْ أَكَلَ الْحَرَامَ عَصَى اللَّهَ شَاءَ أَوْ أَبَى» وَفِي الْحَدِيثِ «الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدْ اسْتَبْرَأَ لِعِرْضِهِ وَدِينِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ تَعَالَى فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ» فَأَمَّا لِسَانُ الْعِلْمِ فَاَلَّذِي يُخَاطَبُ بِهِ الْمُكَلَّفُ التَّحَفُّظُ عَلَى قُوتِهِ أَنْ يَخْتَلِطَ بِالْحَرَامِ الْبَيِّنِ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ الطَّحِينُ الَّذِي قَبْلَهُ لِمَكَّاسٍ أَوْ ظَالِمٍ أَوْ مَا أَشْبَهَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَبْقَى شَيْءٌ مِمَّا طُحِنَ قَبْلَ طَحِينِهِ تَحْتَ الْحَجَرِ فَيَخْتَلِطَ بِطَحِينِهِ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا فَإِنَّ الْيَسِيرَ مِنْ الْحَرَامِ لَهُ تَأْثِيرٌ عَظِيمٌ فِي الْقَلْبِ وَالْقَالَبِ وَالرِّزْقِ.
وَأَمَّا الْوَرَعُ فَلَا يَأْتِي إلَى الطَّاحُونِ أَلْبَتَّةَ لِأَنَّ طَرِيقَهُ مُنَافِيَةٌ لِحَالِ مَا يُفْعَلُ فِيهَا إذْ أَنَّ أَدْنَى الْوَرَعِ أَنْ يَعْرِفَ أَصْلَ اكْتِسَابِ الْقُوتِ مِنْ أَيْنَ هُوَ وَذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ فِي الطَّاحُونِ بِسَبَبِ مَا يَبْقَى تَحْتَ الْحَجَرِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَا ذُكِرَ مَا جَرَى لِلْحَجَّاجِ لَمَّا أَنْ وَلِيَ الْعِرَاقَ وَكَانَ أَهْلُهُ لَا يَتَوَلَّى عَلَيْهِمْ أَحَدٌ وَيُشَوِّشُ عَلَيْهِمْ إلَّا هَلَكَ سَرِيعًا بِدُعَائِهِمْ عَلَيْهِ؛ فَأَمَرَهُمْ الْحَجَّاجُ أَنْ يَأْتِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِبَيْضَةِ دَجَاجَةٍ وَيَضَعَهَا فِي صَحْنِ الْجَامِعِ وَأَرَاهُمْ أَنَّ لَهُ بِذَلِكَ ضَرُورَةً فَاسْتَخَفُّوا ذَلِكَ مِنْهُ فَفَعَلُوا ثُمَّ أَمَرَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ عَيْنَ بَيْضَتِهِ وَأَرَاهُمْ أَنَّهُ قَدْ بَدَا لَهُ الرُّجُوعُ عَمَّا أَرَادَهُ فَلَمَّا أَنْ أَخَذُوا ذَلِكَ لَمْ يَعْلَمْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَيْنَ بَيْضَتِهِ فَلَمَّا أَنْ عَلِمَ الْحَجَّاجُ أَنَّهُمْ تَصَرَّفُوا فِي ذَلِكَ مَدَّ يَدَهُ إلَيْهِمْ فَدَعَوْا عَلَيْهِ عَلَى عَادَتِهِمْ فَمُنِعُوا الْإِجَابَةَ. وَلِأَجْلِ هَذَا الْمَعْنَى كَثُرَتْ الْمَظَالِمُ الْيَوْمَ وَكَثُرَ الدُّعَاءُ عَلَى فَاعِلِهَا وَقَلَّتْ الْإِجَابَةُ أَوْ عُدِمَتْ.
وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَأْكُلُ أَحَدُكُمْ الْحَرَامَ وَيَلْبَسُ الْحَرَامَ وَيَقُولُ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ أَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟» أَوْ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَلَوْ سَلِمَ بَعْضُهُمْ مِنْ مِثْلِ هَذَا الْحَالِ وَدَعَا لَاسْتُجِيبَ لَهُ عَاجِلًا» وَقَدْ وَقَعَ بِبِلَادِ الْمَغْرِبِ أَنَّ بَلَدًا بِبِلَادِ السُّودَانِ كَانَ السُّلْطَانُ لَا يُوَلِّي عَلَيْهِمْ أَحَدًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute