للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمَوَاضِعِ الْمَشْهُورَةِ وَيَجُوزُ فِعْلُهَا فِي الْبَيْتِ مَا لَمْ يَتَّخِذْهَا عَادَةً لِيَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ وَضِدِّهِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: اعْتَادُوهَا فَهَذَا رَدٌّ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَمْ تُشْرَعْ قَطُّ بِالْعَادَةِ إلَّا مَا قَرَّرَهُ الشَّرْعُ الشَّرِيفُ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» وَصَلَاةُ الرَّغَائِبِ لَمْ يَرِدْ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي رَامَهُ شَرْعٌ فَهِيَ مَرْدُودَةٌ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي الْجَمَاعَةِ يَجْتَمِعُونَ فِي مَسْجِدٍ أَوْ فِي مَوْضِعٍ مَشْهُورٍ يُقَدِّمُونَ وَاحِدًا يُصَلِّي بِهِمْ جَمَاعَةً إنَّ ذَلِكَ يُمْنَعُ إنْ كَانَ مِنْهُمْ عَلَى سَبِيلِ الْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حَدَثٌ فِي الدِّينِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا الْمَنْعُ فِي حَقِّهِمْ وَهُمْ لَمْ يَزِيدُوا وَلَمْ يُنْقِصُوا فِي التَّنَفُّلِ الْمَشْرُوعِ شَيْئًا إلَّا أَنَّهُمْ أَوْقَعُوا صَلَاةَ النَّافِلَةِ جَمَاعَةً فِي غَيْرِ رَمَضَانَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي مَوْضِعٍ مَشْهُورٍ فَكَيْفَ بِهِمْ فِي مَنْعِ صَلَاةِ الرَّغَائِبِ لِمَا احْتَوَتْ عَلَيْهِ.

وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ النَّخَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَوْ رَأَيْت الصَّحَابَةَ يَتَوَضَّئُونَ إلَى الْكُوعَيْنِ لَفَعَلْت كَفِعْلِهِمْ وَإِنْ كُنْت أَقْرَؤُهَا إلَى الْمَرَافِقِ؛ لِأَنَّهُمْ أَرْبَابُ الْعِلْمِ وَأَحْرَصُ خَلْقِ اللَّهِ عَلَى اتِّبَاعِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يُتَّهَمُونَ فِي شَيْءٍ مِنْ الدِّينِ وَلَا يَظُنُّ ذَلِكَ بِهِمْ إلَّا ذُو رِيبَةٍ فِي دِينِهِ أَوْ كَمَا قَالَ فَكُلُّ مَا لَمْ يَفْعَلُوهُ إذَا فُعِلَ بَعْدَهُمْ كَانَ نَقْصًا فِي الدِّينِ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ رَدَّ عَلَى نَفْسِهِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ مَشْرُوعِيَّتَهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي رَامَهُ بِالْعَادَةِ لَا بِالشَّرْعِ.

وَقَوْلُهُ: فِي لَيْلَةٍ شَرِيفَةٍ لَا شَكَّ فِي تَفْضِيلِهَا فَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهَا لَيْلَةٌ شَرِيفَةٌ لَا شَكَّ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُعْبَدُ فِيهَا بِالْعَادَةِ بَلْ يُعَظِّمُهَا الْمُكَلَّفُ بِالِامْتِثَالِ لَا بِالِابْتِدَاعِ؛ لِأَنَّ الشَّرِيعَةَ مُتَلَقَّاةٌ مِنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ وَقَدْ بَيَّنَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا تَفْعَلُهُ أُمَّتُهُ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَأَوَانٍ وَأَيْضًا فَيَسَعُنَا فِيهَا مَا وَسِعَ السَّلَفَ إنْ كُنَّا صَالِحِينَ؛ لِأَنَّ تَعْظِيمَ الشَّعَائِرِ وَاحْتِرَامَهَا عَنْهُمْ يُؤْخَذُ وَمِنْهُمْ يُتَلَقَّى لَا بِمَا سَوَّلَتْ لَنَا أَنْفُسُنَا وَمَضَتْ عَلَيْهَا عَادَتُنَا؛ لِأَنَّ الْحَكَمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>