للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذْ أَنَّهَا تَعَبُّدٌ مَحْضٌ وَالْحِسَابُ إنَّمَا يَدْخُلُ فِي الْمَوَارِيثِ وَمَا شَاءَ كُلُّهَا.

مَعَ أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ «مَنْ صَلَّى بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بَنَى اللَّهُ لَهُ قَصْرًا فِي الْجَنَّةِ» فَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي الْعَدَدِ وَمَعَ هَذَا فَلَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ مَشْرُوعِيَّةُ صَلَاةِ الرَّغَائِبِ؛ لِأَنَّ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَرْقًا، وَهُوَ اخْتِلَافُ النِّيَّتَيْنِ إذْ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا تَنَفَّلَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ إنَّمَا يَنْوِي النَّافِلَةَ لِلْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِيهَا وَصَلَاةُ رَجَبٍ لَهَا نِيَّةٌ تَخُصُّهَا وَصِفَةٌ تَخُصُّهَا وَاسْمٌ يَخُصُّهَا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ فَإِذَا تَنَفَّلَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ عَادَةٌ أَمْ لَا فَإِنْ كَانَتْ لَهُ عَادَةٌ مَضَى عَلَى عَادَتِهِ فِي جَمِيعِ السُّنَّةِ مَا لَمْ يَجْمَعْ لَهَا فِي الْمَسَاجِدِ مُطْلَقًا أَوْ فِي الْمَوَاضِعِ الْمَشْهُورَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ عَادَتِهِ وَتَنَفَّلَ التَّنَفُّلَ الْمَعْهُودَ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ عَلَى بَابِهِ

وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ عَادَتِهِ وَصَلَّى فِي بَيْتِهِ أَوَّلَ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ مِنْ رَجَبٍ صَلَاةَ الرَّغَائِبِ فَذًّا أَوْ جَمَاعَةً فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْحَدِيثِ فِيهَا هَلْ هُوَ مَوْضُوعٌ أَوْ ضَعِيفٌ فَعَلَى ضَعْفِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ مَا لَمْ يُدَاوِمْ عَلَيْهِ، وَأَمَّا فِعْلُهَا فِي جَمَاعَةٍ فِي الْمَسَاجِدِ مُطْلَقًا أَوْ فِي الْمَوَاضِعِ الْمَشْهُورَةِ فَبِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» وَفِعْلُهَا فِي الْمَسَاجِدِ مُطْلَقًا أَوْ الْمَوَاضِعِ الْمَشْهُورَةِ شِعَارٌ ظَاهِرٌ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ عَلَيْهِ يُعَيِّنُهُ كَصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الصَّلَوَاتِ.

ثُمَّ إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا رَغَّبَ فِي التَّنَفُّلِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ بِالْحَدِيثِ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ صَلَاةَ رَجَبٍ وَلَا تَعَرَّضَ لَهَا وَلَا فَهِمَ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ هَذَا وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِمَشْرُوعِيَّةِ صَلَاةِ الرَّغَائِبِ بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْحِسَابِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَمَا فِيهَا مِنْ الْأَوْصَافِ الزَّائِدَةِ يُوجِبُ نَوْعِيَّةً وَخُصُوصِيَّةً غَيْرَ مَانِعَةٍ مِنْ الدُّخُولِ فِي هَذَا الْعُمُومِ عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الصَّلَاةَ تَحْتَاجُ إلَى التَّوْقِيفِ عَلَى بَيَانِ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ، وَإِذَا افْتَقَرَتْ إلَى ذَلِكَ فَأَوْصَافُهَا مِنْ بَابِ أَوْلَى أَنْ تَفْتَقِرَ إلَيْهِ.

فَإِنْ قِيلَ فَالْأَذْكَارُ الَّتِي فِيهَا مِنْ حَيْثُ هِيَ قَدْ جَاءَتْ فِي الشَّرْعِ الشَّرِيفِ

<<  <  ج: ص:  >  >>