الْأَرْضِ حِينَ السُّجُودِ وَالْجُلُوسِ فَيُمْسِكُ بِهِ إنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ مَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهُ، أَلَا تَرَى إلَى مَا رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّ ثِيَابَهُمْ كَانَتْ تَنْقَطِعُ مِنْ عِنْدِ مَنَاكِبِهِمْ لِشِدَّةِ تَرَاصِّهِمْ فِي صَلَاتِهِمْ؛ لِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ لَا يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى يُسَوِّيَهُمْ وَيُعَلِّمَهُمْ تَرْصِيصَ الصُّفُوفِ» وَكَيْفَ هِيَ وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: أَدْرَكْتُ النَّاسَ بِالْمَدِينَةِ وَرِجَالٌ مُوَكَّلُونَ بِالصَّلَاةِ، فَإِنْ رَأَوْا أَحَدًا صَلَّى فِي صَفٍّ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ إلَى الْقِبْلَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَدْخُلَهُ ذَهَبُوا بِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ إلَى الْحَبْسِ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِي الْمَسْجِدِ إلَّا مَوْضِعُ قِيَامِهِ وَسُجُودِهِ وَجُلُوسِهِ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْحُصْرُ الْيَوْمَ عَلَى مَا يُعْهَدُ وَيُعْلَمُ، وَلَوْ كَانَتْ طَاهِرَةً فَلَا بُدَّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بِدْعَةِ هَذِهِ السَّجَّادَةِ.
فَإِذَا بَسَطَ لِنَفْسِهِ شَيْئًا لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ احْتَاجَ لِأَجْلِ سِعَةِ ثَوْبِهِ أَنْ يَبْسُطَ شَيْئًا كَبِيرًا لِيَعُمَّ ثَوْبَهُ عَلَى سَجَّادَتِهِ فَيَكُونُ فِي سَجَّادَتِهِ اتِّسَاعٌ خَارِجٌ فَيُمْسِكُ بِسَبَبِ ذَلِكَ مَوْضِعَ رَجُلَيْنِ أَوْ نَحْوِهِمَا إنْ سَلِمَ مِنْ الْكِبْرِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَضُمُّ إلَى سَجَّادَتِهِ أَحَدًا، فَإِنْ لَمْ يَسْلَمْ مِنْ ذَلِكَ وَوَلَّى النَّاسُ عَنْهُ وَتَبَاعَدُوا مِنْهُ هَيْبَةً لَكُمِّهِ وَثَوْبِهِ وَتَرَكَهُمْ هُوَ وَلَمْ يَأْمُرُهُمْ بِالْقُرْبِ إلَيْهِ فَيُمْسِكُ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَيَكُونُ غَاصِبًا لِذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الْمَسْجِدِ فَيَقَعُ بِسَبَبِ ذَلِكَ فِي الْمُحَرَّمِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ الْمَنْصُوصِ عَنْ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ.
قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ غَصَبَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ طَوَّقَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى سَبْعِ أَرَضِينَ» أَوْ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَذَلِكَ الْمَوْضِعُ الَّذِي أَمْسَكَهُ بِسَبَبِ قُمَاشِهِ وَسَجَّادَتِهِ لَيْسَ لِلْمُسْلِمِينَ بِهِ حَاجَةٌ فِي الْغَالِبِ إلَّا فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ غَاصِبٌ لَهُ فَيَقَعُ فِي هَذَا الْوَعِيدِ بِسَبَبِ قُمَاشِهِ وَسَجَّادَتِهِ وَزِيِّهِ، فَإِنْ بَعَثَ سَجَّادَتَهُ إلَى الْمَسْجِدِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَوْ قَبْلَهُ فَفُرِشَتْ لَهُ هُنَاكَ وَقَعَدَ هُوَ إلَى أَنْ يَمْتَلِئَ الْمَسْجِدُ بِالنَّاسِ، ثُمَّ يَأْتِي فَيَتَخَطَّى رِقَابَهُمْ فَيَقَعُ فِي مَحْذُورَاتٍ جُمْلَةً مِنْهَا غَصْبُهُ لِذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي عَمِلَتْ السَّجَّادَةُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْجِزَهُ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ إلَّا مَوْضِعُ صَلَاتِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute