أَعْمَالِكُمْ وَلَا أَنْتُمْ أَدْخَلْتُمْ النَّاسَ بِهَا بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ قَطَعْتُمْ الطَّرِيقَ عَلَى الْمُرِيدِ وَصَدَدْتُمْ الْجَاهِلَ عَنْ الْحَقِّ فَمَا ظَنُّكُمْ غَدًا عِنْدَ رَبِّكُمْ إذَا ذَهَبَ الْبَاطِلُ بِأَهْلِهِ وَقَرَّبَ الْحَقُّ أَتْبَاعَهُ انْتَهَى.
عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ مَضَى أَنَّهُ كَانَ لِعُلَمَائِهِمْ لِبَاسٌ يُعْرَفُونَ بِهِ غَيْرُ لِبَاسِ النَّاسِ جَمِيعًا لَا مَزِيَّةَ لَهُمْ عَلَى غَيْرِهِمْ فِي الثَّوْبِ وَلَا فِي التَّفْصِيلِ بَلْ لِبَاسُ بَعْضِهِمْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ لِبَاسِ النَّاسِ لِتَوَاضُعِهِمْ وَوَرَعِهِمْ وَزُهْدِهِمْ وَلِمَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَالرُّجُوعِ إلَيْهِ وَلِفَضِيلَةِ ذَلِكَ عِنْدَ الشَّرْعِ، وَالْعَالِمُ أَوْلَى مَنْ يُبَادِرُ إلَى الْأَفْضَلِ وَالْأَرْجَحِ وَالْأَزْكَى فِي الشَّرْعِ. نَعَمْ إنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ أَسْتَحِبُّ لِلْقَارِئِ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ أَبْيَضَ يَعْنِي يَفْعَلُ ذَلِكَ تَوْقِيرًا لِلْعِلْمِ فَلَا يَلْبَسُ ثَوْبًا وَسِخًا وَلَا قَذِرًا بَلْ نَظِيفًا مِنْ الْأَوْسَاخِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّهُ يُخَالِفُ لِبَاسَ النَّاسِ بِسَبَبِ عِلْمِهِ. قَدْ كَانَ لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثِيَابٌ كَثِيرَةٌ يُوَقِّرُ بِهَا مَجَالِسَ الْحَدِيثِ حِينَ كَانَ يَقْرَؤُهُ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْهُ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحَدِيثِ إلَّا عَلَى الْعَادَةِ، فَقَدْ صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ إذَا طَلَبَهُ الْفُقَهَاءُ لِلدَّرْسِ سَأَلَهُمْ مَا يُرِيدُونَ، فَإِنْ أَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ مَسَائِلَ الْفِقْهِ خَرَجَ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي يَجِدُونَهُ عَلَيْهَا لَا يَزِيدُ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا، وَإِنَّ أَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ الْحَدِيثَ دَخَلَ إلَى بَيْتِهِ وَاغْتَسَلَ وَلَبِسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ وَتَبَخَّرَ بِالْمِسْكِ وَالْعُودِ، ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى الْحَدِيثِ وَيُطْلِقُ الْبَخُورَ بِالْمِسْكِ وَالْعُودِ طُولَ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ حَتَّى يَفْرُغَ تَعْظِيمًا لِلْحَدِيثِ. وَلَقَدْ حَكَى عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ كَانَ يَوْمًا يُحَدِّثُ، وَلَوْنُهُ يَتَغَيَّرُ وَيَصْفَرُّ وَيَتَلَوَّنُ إلَى أَنْ فَرَغَ الْمَجْلِسُ وَانْقَضَى النَّاسُ أَخْرَجَ الْخُفَّ مِنْ رِجْلِهِ، فَإِذَا فِيهِ عَقْرَبٌ قَدْ لَسَعَتْهُ سَبْعَ عَشْرَةَ مَرَّةً قَالَ: فَقُلْت لَهُ يَا إمَامُ مَا مَنَعَك أَنْ تَخْلَعَهُ فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ ضَرَبَتْك فَقَالَ: اسْتَحْيَيْتُ مِنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يَكُونَ حَدِيثُهُ يُقْرَأُ وَأَقْطَعُهُ لِضُرٍّ أَصَابَ بَدَنِي أَوْ كَمَا قَالَ. فَكَانَ تَعْظِيمُهُ لِلْحَدِيثِ كَمَا تَرَى. وَهَذَا اللِّبَاسُ الْيَوْمَ لَمْ يَجْعَلُوهُ لِمَجْلِسِ الْحَدِيثِ بَلْ لِمَجَالِسِ غَيْرِهِ، وَلَوْ كَانُوا فِي مَجْلِسِ الْحَدِيثِ فَتَجِدُهُمْ يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ إذْ ذَاكَ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute