غَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ مُتَقَدِّمِهِمْ وَمُتَأَخِّرِهِمْ مِنْ أَنَّ عُلَمَاءَ الْمَغْرِبِ إلَى الْآنَ لَا يَعْرِفُونَ ثِيَابَ الدُّرُوسِ، وَلَا يَعْرُجُونَ عَلَيْهَا فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بَقَّى مِنْ الْأَمْرِ بَقِيَّةً تُعَرِّفُ فِي بِلَادِ الْمَغْرِبِ الْعَالِمَ الْكَبِيرَ الْمَرْجُوعَ إلَيْهِ فِي الْفَتْوَى وَالْمُقَلَّدَ فِي النَّوَازِلِ الَّذِي يَحْضُرُ عِنْدَهُ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْجَمْعُ الْكَثِيرُ إذَا قَعَدَ لِأَخْذِ الدُّرُوسِ لَا يُعْرَفُ مِنْ بَيْنِهِمْ بَلْ هُوَ أَقَلُّهُمْ لِبَاسًا؛ لِأَنَّهُ أَزْهَدُهُمْ وَأَوْرَعُهُمْ فَهُوَ أَقَلُّهُمْ تَكَلُّفًا مِنْ الدُّنْيَا وَرُبَّمَا يَخْرُجُ لِلسُّوقِ لِشِرَاءِ حَاجَتِهِ بِيَدِهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَتَّخِذُونَ لِأَنْفُسِهِمْ خَادِمًا، وَلَا يَشْتَرُونَ عَبْدًا، وَلَا يَتَّخِذُونَ مَرْكُوبًا بَلْ يَحْمِلُ أَحَدُهُمْ حَاجَتَهُ بِيَدِهِ وَرُبَّمَا اجْتَمَعَ فِي يَدِهِ الْخُضْرَةُ وَالْكَانُونُ وَاللَّحْمُ وَالْعَجِينُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَرُبَّمَا أَتَاهُ الْقَاضِي بِجَمَاعَتِهِ لِيَسْتَفْتِيَهُ فِي بَعْضِ النَّوَازِلِ، وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ فِي السُّوقِ فَيَقِفُ مَعَهُمْ وَيُفْتِيهِمْ، وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ، ثُمَّ يَرْجِعُونَ وَيَمُرُّ هُوَ إلَى بَيْتِهِ وَلَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يَجْسُرُ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْ يَدِهِ شَيْئًا أَوْ يَمْشِيَ مَعَهُ اتِّقَاءً عَلَى خَاطِرِهِ وَعَمَلًا عَلَى مَا يَخْتَارُهُ مِنْهُمْ، وَإِذَا تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْهُ مِنْ الدَّرْسِ خَرَجَ وَحْدَهُ لَا سَبِيلَ إلَى مَنْ يَتْبَعُهُ اتِّقَاءً عَلَى خَاطِرِهِ. وَقَدْ كَانَ سَيِّدِي أَبُو الْحَسَنِ الزَّيَّاتُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا خَرَجَ مِنْ أَخْذِ الدُّرُوسِ وَوَجَدَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ بَعْضَ الْجَمَاعَةِ يَنْتَظِرُونَهُ يَسْأَلُهُمْ مَا تُرِيدُونَ، فَإِنْ أَخْبَرُوهُ أَجَابَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَاجَةٌ يَسْأَلُهُمْ أَيَّ طَرِيقٍ تُرِيدُونَ فَيُخْبِرُونَهُ بِالطَّرِيقِ الَّتِي يُرِيدُهَا هُوَ لِكَيْ يَمْشُوا مَعَهُ فَيَقُولُ هُوَ: أَنَا أَمْضِي مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ غَيْرِ الطَّرِيقِ الَّتِي يُرِيدُونَهَا فَيُبْعِدُ عَلَى نَفْسِهِ الطَّرِيقَ.
وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مَارًّا بِالطَّرِيقِ فَلَقِيَهُ أَحَدٌ فَسَأَلَهُ وَقَفَ مَعَهُ حَتَّى يُجِيبَهُ، فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ الشَّخْصُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَهُ سَأَلَهُ أَيَّ طَرِيقٍ تُرِيدُ فَيَقُولُ لَهُ الشَّخْصُ هَذِهِ الطَّرِيقَ لِلطَّرِيقِ الَّتِي يَرَى الشَّيْخُ مَارًّا إلَيْهَا فَيَقُولُ هُوَ: وَأَنَا أُرِيدُ هَذِهِ الطَّرِيقَ لِطَرِيقٍ غَيْرِ تِلْكَ وَرُبَّمَا رَجَعَ إلَى الطَّرِيقِ الَّتِي أَتَى مِنْهَا وَيُبْعِدُ عَلَى نَفْسِهِ خَوْفًا مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ يُوطَأَ عَقِبَهُ أَوْ يُقَالُ عَنْهُ. وَقَدْ كَانَ سَيِّدِي أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَخْرُجُ لِلْمَسْجِدِ وَالدَّرْسِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute