للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِمَا تَيَسَّرَ مِنْ اللِّبَاسِ، وَلَا يَقْصِدُ لِذَلِكَ لِبَاسًا مُعَيَّنًا إلَّا مَا كَانَ مِنْ الْأَعْيَادِ وَالْجُمَعِ وَكَانَ يَخْرُجُ فِي زَمَانِ الصَّيْفِ بِقَمِيصٍ خَامٍ غَلِيظٍ يَصِلُ إلَى نِصْفِ سَاقِهِ أَوْ نَحْوِهِ وَلِبَاسٍ إلَى نِصْفِ سَاقِهِ وَعَلَى رَأْسِهِ طَاقِيَّةٌ طَاقٌ وَاحِدٌ وَمِنْدِيلٌ أَوْ خِرْقَةٌ يَجْعَلُهَا عَلَى أَكْتَافِهِ حِينَ الصَّلَاةِ، ثُمَّ يُزِيلُهَا إذَا فَرَغَ مِنْهَا وَيَجْعَلُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِي زَمَنِ الشِّتَاءِ زَادَ عَلَى ذَلِكَ دَلَقًا وَاحِدًا غَلِيظًا وَفُوطَةً تُسَاوِي سَبْعَةَ دَرَاهِمَ أَوْ نَحْوَهَا وَعِمَامَةً خَمْسَ طَيَّاتٍ أَوْ نَحْوَهَا، وَكَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَخْرُجُ يَمْلَأُ الْمَاءَ مِنْ الْبَحْرِ بِيَدِهِ، ثُمَّ يَأْتِي بِهِ إلَى بَيْتِهِ، فَإِنْ لَقِيَهُ أَحَدٌ وَسَأَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَنْهُ أَبَى ذَلِكَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَحْلِفَ فَيَبَرُّ قَسَمَهُ، وَنَحْنُ الْيَوْمَ عَكْسُ هَذَا سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ نَلْبَسُ هَذِهِ الْخِلَعَ الْمُتَقَدِّمَ ذِكْرُهَا لَعَلَّ أَنْ نُنْسَبَ بِسَبَبِهَا إلَى الْعُلَمَاءِ، وَلَعَلَّ أَنْ يُسْمَعَ مِنَّا وَيُرْجَعَ إلَيْنَا فِي حُظُوظِ أَنْفُسِنَا، وَأَمَّا أَخْذُ الْعِلْمِ النَّافِعِ مِنَّا وَالِاقْتِدَاءُ بِنَا فِي الْخَيْرِ فَبَعِيدٌ إلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّك، وَإِنْ وَطِئَ أَحَدٌ عَقِبَنَا وَمَشَى مَعَنَا نَرَى لَهُ تِلْكَ الْحُرْمَةَ وَنَنْظُرُ لَهُ فِي الْمَصْلَحَةِ بِتَنْزِيلٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمَنَافِعِ، كُلُّ هَذَا سَبَبُهُ حُبُّ الرِّيَاسَةِ مِنَّا وَالْحَظْوَةُ وَإِيثَارُ الظُّهُورِ عَلَى الْخُمُولِ وَمَحَبَّةُ الْقِيلِ وَالْقَالِ وَالْجَاهِ وَمَا فَعَلْنَاهُ هُوَ الَّذِي يُذْهِبُ ذَلِكَ كُلَّهُ عَنَّا وَيَأْتِي بِضِدِّهِ، أَلَا تَرَى إلَى مَا وَرَدَ فِي الْأَثَرِ «مَا مِنْ آدَمِيٍّ إلَّا وَبِرَأْسِهِ حَكَمَةٌ مِثْلُ حَكَمَةِ الدَّابَّةِ بِيَدِ مَلَكٍ، فَإِنْ تَوَاضَعَ رَفَعَهُ الْمَلَكُ وَقَالَ لَهُ: ارْتَفِعْ رَفَعَكَ اللَّهُ وَإِنْ ارْتَفَعَ ضَرَبَهُ الْمَلَكُ وَقَالَ لَهُ اتَّضِعْ وَضَعَكَ اللَّهُ» .

أَوْ كَمَا قَالَ مَعَ أَنَّ الْعَالِمَ إنَّمَا يُزَيِّنُهُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مَعَ زِيَادَةِ الْفَضِيلَةِ بِمَعْرِفَةِ مَذَاهِبِ النَّاسِ وَاخْتِلَافِهِمْ وَالْمُشَارَكَةِ فِي فُنُونِ الْعِلْمِ وَاللِّبَاسِ الْحَسَنِ عَلَى زِيِّ مَا يَفْعَلُونَهُ الْيَوْمَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْعِلْمِ بَلْ يُزِيلُ بَهْجَتَهُ وَيَكُونُ سَبَبًا إلَى ضِدِّ مَا يُوَرِّثُهُ الْعِلْمُ مِنْ الْوَقَارِ وَالْهَيْبَةِ وَالسُّكُونِ، وَلَوْ كَانَتْ الزِّينَةُ تَزِيدُ فِي الْعِلْمِ شَيْئًا لَمْ يَجْرِ عَلَى يُوسُفَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا جَرَى لِأَجْلِ حُسْنِ وَجْهِهِ الَّذِي هُوَ خِلْقَةٌ خَلَقَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا لَا مُسْتَعَارَةٌ؛ لِأَنَّهُ عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي وَلَدِ آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَجْمَلُ مِنْ يُوسُفَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَعْدَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>