للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالسَّلَامِ الْمَشْرُوعِ أَوْ الْمُصَافَحَةِ الْمَشْرُوعَةِ لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إلَّا غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا» . وَمِنْهُ أَيْضًا عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ فَتَصَافَحَا وَحَمِدَا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَاهُ غُفِرَ لَهُمَا» وَذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ فِي كِتَابِهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ صَافَحَ عَالِمًا صَادِقًا فَكَأَنَّمَا صَافَحَ نَبِيًّا مُرْسَلًا» انْتَهَى.

وَقَدْ وَرَدَ فِي السَّلَامِ مِنْ الْفَضْلِ وَالتَّرْغِيبِ مَا هُوَ مَشْهُورٌ مَعْرُوفٌ كَفَى بِهِ أَنَّهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى يَنْطِقُونَ بِهِ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ عَلَى سَبِيلِ الِامْتِثَالِ وَالتَّشْرِيعِ فَيَكُونُ بِسَبَبِهِ مِنْ الذَّاكِرِينَ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ إخْبَارًا عَنْ رَبِّ الْعِزَّةِ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: «مَنْ ذَكَرَنِي ذَكَرْتُهُ وَأَنَا جَلِيسُ مَنْ ذَكَرَنِي» .

فَيَحْصُلُ لَهُمْ هَذَا الْخَيْرُ الْعَظِيمُ وَالنِّعْمَةُ الشَّامِلَةُ، وَالْغَالِبُ أَنَّ السَّلَامَ الْمَشْرُوعَ إذْ ذَاكَ بَيْنَنَا مَتْرُوكٌ، وَكَذَلِكَ الْمُصَافَحَةُ، فَإِنْ وَقَعَ مِنَّا السَّلَامُ كَانَ قَوْلُنَا صَبَّحَكَ اللَّهُ بِالْخَيْرِ مَسَّاكَ اللَّهُ بِالْخَيْرِ يَوْمٌ مُبَارَكٌ لَيْلَةٌ مُبَارَكَةٌ وَذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ الْبِدَعِ وَالْحَوَادِثِ وَإِنْ كَانَ دُعَاءً وَالدُّعَاءُ كُلُّهُ حَسَنٌ لَكِنْ إذَا لَمْ يُصَادِمْ سُنَّةً كَانَ مُبَاحًا أَوْ مَنْدُوبًا بِحَسَبِ الْوَاقِعِ وَالنِّيَّةِ، وَأَمَّا إنْ صَادَمَ سُنَّةً فَلَا يَخْتَلِفُونَ فِي مَنْعِهِ؛ لِأَنَّ عُلَمَاءَنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ قَدْ اخْتَلَفُوا فِي الْبِدَعِ هَلْ تُمْنَعُ مُطْلَقًا، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَوْ لَا تُمْنَعُ إلَّا إذَا عَارَضَتْ السُّنَنَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَهَذَا مِنْ الْقِسْمِ الَّذِي عَارَضَ سُنَّةً؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ السَّلَامَ الشَّرْعِيَّ بِسَبَبِهِ وَأَحَلَّ الْقِيَامَ وَالدُّعَاءَ مَحَلَّهُ، وَلَا قَائِلٌ بِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ قَالَ الْعَالِمُ مَثَلًا أَنَا أَفْعَلُ ذَلِكَ بَعْدَ السَّلَامِ فَجَوَابُهُ أَنَّ الْعَوَامَّ يَقْتَدُونَ بِهِ فِي الْبِدَعِ وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَ السُّنَّةَ فَيَظُنُّونَ أَنَّ تِلْكَ هِيَ السُّنَّةُ الَّتِي ارْتَكَبُوهَا.

وَإِنْ وَقَعَتْ الْمُصَافَحَةُ بَيْنَنَا إذْ ذَاكَ كَانَ عِوَضًا عَنْهَا تَقْبِيلُ الْيَدِ، وَقَدْ وَقَعَ إنْكَارُ الْعُلَمَاءِ لِذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الْمُقَبَّلُ يَدُهُ عَالِمًا أَوْ صَالِحًا أَوْ هُمَا مَعًا فَأَنْكَرَهُ مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَأَجَازَهُ غَيْرُهُ. وَأَمَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>