تَقْبِيلُ يَدِ غَيْرِ هَذَيْنِ فَلَا يُعْرَفُ أَحَدٌ يَقُولُ بِجَوَازِهِ لَا سِيَّمَا إذَا انْضَافَ إلَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْمُقَبَّلُ يَدُهُ ظَالِمًا أَوْ بِدْعِيًّا أَوْ مِمَّنْ يُرِيدُ تَقْبِيلَ يَدَهُ وَيَخْتَارُهُ فَهُوَ الدَّاءُ الْعُضَالُ الْوَاقِعُ بِالْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ بِهِ وَبِمَنْ أَعْجَبَهُ ذَلِكَ مِنْهُمَا لِمَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْوَعِيدِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ وَتَرْكِ الِامْتِثَالِ. كُلُّ هَذَا سَبَبُهُ تَرْكُ السُّنَّةِ أَوْ التَّهَاوُنُ بِشَيْءٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُتْرَكُ أَبَدًا إلَّا وَيَنْزِلُ بِمَوْضِعِهَا عُقُوبَةٌ لِتَارِكِهَا بِدْعَةٌ أَوْ بِدَعٌ. قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا مِنْ سَيِّئَةٍ إلَّا وَلَهَا أُخَيَّاتٌ.
وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَزَلَ بِالْأَبْطَحِ فَنَظَرَ إلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَقَالَ: إنَّ كُلَّ شَيْءٍ إذَا تَمَّ نَقَصَ، وَإِنْ هَذَا الْقَمَرَ قَدْ تَمَّ فَهُوَ يَنْقُصُ بَعْدَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ، وَإِنِّي لَا أَرَى الْإِسْلَامَ إلَّا وَقَدْ تَمَّ، وَإِنِّي لَا أَرَاهُ إلَّا وَسَيَنْقُصُ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَكَانَ الْأَمْرُ فِي الْإِسْلَامِ عَلَى مَا قَالَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا زَالَ يَنْقُصُ إلَى يَوْمِنَا هَذَا، وَهُوَ بَعْدُ فِي نَقْصٍ كَمَا سَبَقَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ أَسْأَلُ اللَّهَ الْعِصْمَةَ بِرَحْمَتِهِ انْتَهَى. وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: «مَا مِنْ عَامٍ إلَّا وَاَلَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ سَمِعْت ذَلِكَ مِنْ نَبِيِّكُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - (مَا مِنْ سَنَةٍ إلَّا وَتُحْيُونَ فِيهَا بِدْعَةً وَتُمِيتُونَ فِيهَا سُنَّةً وَلَنْ تُمِيتُوا سُنَّةً فَتَرْجِعُ إلَيْكُمْ أَبَدًا) وَهَا هُوَ ذَا ظَاهِرٌ بَيِّنٌ. أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَمَّا تَرَكُوا السَّلَامَ وَهُوَ السُّنَّةُ وَاسْتَعْمَلُوا الْقِيَامَ وَالدُّعَاءَ صَارَ السَّلَامُ عِنْدَ ذَلِكَ كَأَنَّهُ مُنْكَرٌ لَا يُعْرَفُ حَتَّى لَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ السَّلَامَ الشَّرْعِيَّ لَشَقَّ عَلَيْهِمْ فِعْلُهُ وَقَالُوا عَنْهُ لَا يُنْصِفُ فِي السَّلَامِ مَا يُسَاوِي أَحَدٌ عِنْدَهُ شَيْئًا لَا يَعْبَأُ بِأَحَدٍ لَا يَلْتَفِتُ إلَى أَحَدٍ مُتَكَبِّرٌ لَا يُعَاشَرُ مُتَجَبِّرٌ لَا يُخَالَطُ، وَإِنْ حَسَّنُوا الظَّنَّ بِهِ قَالُوا: مَرْبُوطٌ يَابِسٌ مُشَدِّدٌ ثَقِيلٌ، وَلَرُبَّمَا وَجَدُوا عَلَيْهِ فِي قُلُوبِهِمْ وَلَمْ يُقَرِّبُوهُ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَلَا مِنْ مَجَالِسِهِمْ حَنَقًا عَلَيْهِ فِيمَا عَامَلَهُمْ بِهِ فَصَارَ مَا مَدَحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَأَثْنَى عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute