بِهَا غَيْرُهُمْ مِنْ عَوَامِّ النَّاسِ لِزِيَادَةِ خُصُوصِيَّتِهِمْ وَمَزِيَّتِهِمْ عَلَى غَيْرِهِمْ، فَإِذَا تَرَكُوا مِنْهَا شَيْئًا عُوقِبُوا عَلَى تَرْكِهَا وَيَتْرُكُهَا أَكْثَرُ النَّاسِ، وَلَا يُبَالُونَ فَلَا يُعَاقَبُونَ وَمَا ذَاكَ إلَّا؛ لِأَنَّ الْقَرِيبَ الْحُرْمَةُ عَلَيْهِ أَقْوَى، وَالْآدَابُ تُطْلَبُ مِنْهُ أَكْثَرَ كَمَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ مَدَّ رِجْلَهُ فِي الْمَسْجِدِ لِيَسْتَرِيحَ، ثُمَّ ضَمَّهَا مِنْ سَاعَتِهِ وَجَعَلَ يَسْتَغْفِرُ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ جُلَسَائِهِ:
أَلَيْسَ هَذَا أَمْرًا مُبَاحًا فَقَالَ: أَمَّا لَكُمْ فَنَعَمْ. وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ جَاوَرَ بِالْبَيْتِ الْحَرَامِ مُدَّةً لَمْ يَبُلْ فِي الْحَرَمِ وَلَمْ يَضْطَجِعْ وَلَمْ يَسْتَنِدْ وَمَا ذَاكَ إلَّا لِلْهَيْبَةِ الْقَائِمَةِ عَلَيْهِ إذْ ذَاكَ لِأَجْلِ قُرْبِهِ، وَكَمَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ مَكَثَ أَرْبَعِينَ سَنَةً لَمْ يَنْظُرْ إلَى السَّمَاءِ لِأَجْلِ الْهَيْبَةِ وَالْإِعْظَامِ، وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ الْجُنَيْدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَسَنَاتُ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ وَحِكَايَتُهُمْ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُكْتَبَ أَوْ تُحْصَرَ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ جَوَابِهِ عَنْ الْحَدِيثِ الْآخَرِ، وَهُوَ قَوْلُهُ لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ إلَى آخَرِ كَلَامِهِ وَعِبَارَتِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ فَهَذَا الَّذِي قَالَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَرُدُّ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْأُصُولُ وَاسْتَقَرَّ مِنْ الْأَحَادِيثِ.
أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُؤْمِنُ يُحِبُّ لِأَخِيهِ الْمُؤْمِنِ مَا يُحِبُّهُ لِنَفْسِهِ» ، وَهُوَ قَدْ أَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ الَّذِي أَوْرَدَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ الرِّجَالُ قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» انْتَهَى.
فَإِذَا دَخَلَ عَلَيْك أَخُوك الْمُؤْمِنُ فَقُمْت إلَيْهِ وَسُرَّ بِذَلِكَ فَقَدْ تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ، وَكَانَ ذَلِكَ بِسَبَبِ قِيَامِك أَنْتَ وَحَرَكَتِك لَهُ، وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي جَوَابِهِ بِقَوْلِهِ: مَدَارُ التَّحْرِيمِ عَلَى الْمَحَبَّةِ فَحَسْبُ سَوَاءٌ قِيمَ لَهُ أَوْ لَمْ يَقُمْ قَدْ ارْتَكَبَ التَّحْرِيمَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَحَبَّةَ إنَّمَا صَدَرَتْ مِنْهُ لِمُشَاهَدَتِهِ لِلْقِيَامِ فَلَوْ كَانَ لَا يَقُومُ أَحَدٌ لِأَحَدٍ لَمْ تَتَشَوَّفْ نَفْسُهُ إلَيْهِ وَلَمْ تُحِبُّهُ وَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ تَكُونَ قَاعِدَتُهُ فِي تَصَرُّفِهِ كُلِّهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا مَعَ نَفْسِهِ وَمَعَ غَيْرِهِ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى نَفْسِهِ لِسَانُ الْعِلْمِ وَكَيْفِيَّةُ ذَلِكَ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَبُو حَازِمٍ سَلَمَةُ بْنُ دِينَارٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - شَيْئَانِ هُمَا خَيْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إنْ عَمِلْت بِهِمَا أَتَكَفَّلُ لَك بِالْجَنَّةِ، وَلَا أَطْوَلُ عَلَيْك قِيلَ وَمَا هُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute