قَالَ تَعْمَلُ مَا تَكْرَهُ إذَا أَحَبَّهُ اللَّهُ وَتَتْرُكُ مَا تُحِبُّ إذَا كَرِهَهُ اللَّهُ أَوْ قَالَ:
فَلَيْسَ الْإِنْسَانُ مُكَلَّفًا بِأَنْ لَا يَقَعَ لَهُ مَحَبَّةُ الشَّيْءِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُكَلَّفٌ بِأَنْ لَا يَرْضَى بِهِ وَإِنْ كَانَتْ نَفْسُهُ تُحِبُّهُ فَيَكْرَهُهُ لِكَرَاهِيَةِ الشَّرْعِ الشَّرِيفِ، وَقَدْ قِيلَ مِنْ الْعِصْمَةِ أَنْ لَا تَجِدَ، فَإِذَا أَحَبَّ وَلَمْ يَجِدْ سَبِيلًا إلَى وُقُوعِ مَا أَحَبَّ فَقَدْ عُصِمَ مِنْ وُقُوعِ تِلْكَ الْمَعْصِيَةِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: ٢] فَالْحَاصِلُ مِنْ هَذَا أَنَّ الَّذِي يَكْرَهُ الْإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ وَيَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى فِي كُلِّ وَقْتٍ وَأَوَانٍ أَنْ يُعَافِيَهُ مِنْهُ، وَلَا يَرْضَاهُ لِأَحَدٍ مِنْ الْعُصَاةِ، وَهُوَ تَبَوُّءُ مَقْعَدِهِ مِنْ النَّارِ لَا يَفْعَلُهُ بِهَذَا الْأَخِ الْمُؤْمِنِ الدَّاخِلِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ يُحِبُّ ذَلِكَ، وَقَدْ وَرَدَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» انْتَهَى، وَهَذَا الْفِعْلُ مِنْ بَابِ الْغِشِّ؛ لِأَنَّك تَكْرَهُ الشَّيْءَ لِنَفْسِك وَتُوقِعُ فِيهِ غَيْرَك بَلْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْخَدِيعَةِ وَالْمَكْرِ، وَأَهْلُ الْإِيمَانِ بُعَدَاءُ عَنْ ذَلِكَ.
وَقَدْ وَرَدَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» فَعَلَى هَذَا مَعْنَى الْحَدِيثِ فَكُلُّ بَابٍ أَوْ مَسْأَلَةٍ أَوْ حَرَكَةٍ أَوْ سُكُونٍ كَانَتْ سَبَبًا إلَى نَجَاةِ أَخِيك مِنْ النَّارِ وَاجِبٌ أَنْ تُعَامِلَهُ بِهَا.
وَكَذَلِكَ فِي الْعَكْسِ سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ، فَكُلُّ بَابٍ أَوْ مَسْأَلَةٍ أَوْ حَرَكَةٍ أَوْ سُكُونٍ كَانَتْ سَبَبًا إلَى عِقَابِهِ وَتَوْبِيخِهِ وَدُخُولِهِ دَارَ الْهَوَانِ وَالْغَضَبِ وَاجِبٌ عَلَيْكَ أَنْ تُعْفِيَهُ مِنْهَا، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ»
فَإِذَا قُمْتَ إلَيْهِ، فَإِنَّكَ لَمْ تَنْصَحْهُ بَلْ غَشَشْتَهُ بِدَلِيلِ مَا تَقَدَّمَ بَلْ يَنْبَغِي أَوْ يَجِبُ أَنْ يَعْرِضَ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ هَذَا الْقِيَامَ، فَإِنْ رَأَى نَفْسَهُ أَنَّهَا تُحِبُّ ذَلِكَ وَتَشْتَهِيهِ وَتُؤْثِرُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَفْعَلَهُ مَعَ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ لِئَلَّا يُوقِعَهُ فِي الْبَلَاءِ الْعَظِيمِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ
، وَإِنْ رَأَى نَفْسَهُ أَنَّهَا لَا تُحِبُّ ذَلِكَ وَتَكْرَهُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُعَامِلَ أَخَاهُ الْمُؤْمِنَ بِشَيْءٍ يَكْرَهُهُ هُوَ أَنْ يُعَامَلَ بِهِ، وَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ «الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ»
فَيَنْظُرُ إلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute