عَلَى الْعَادَةِ لَمَاتَ فَهُوَ عَبْدٌ مُفْتَقِرٌ مُضْطَرٌّ مُحْتَاجٌ إلَى شَيْءٍ يَأْكُلُهُ وَإِلَى مَنْ يُسَوِّغُهُ لَهُ وَإِلَى مَنْ يَدْفَعُهُ عَنْهُ.
فَيَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَرَقَّبَ الْمَوْتَ عِنْدَ كُلِّ نَفَسٍ؛ لِأَنَّ أَنْفَاسَهُ عَلَيْهِ مَعْدُودَةٌ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا} [مريم: ٨٤] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - نَعُدُّ عَلَيْهِمْ الْأَنْفَاسَ فَتَصِيرُ كَمَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ جَاءَ إلَى شَيْخِهِ لِيَزُورَهُ قَالَ فَدَخَلْت عَلَيْهِ فَوَجَدْته يُصَلِّي فَأَوْجَزَ فِي صَلَاتِهِ وَقَالَ لِي مَا حَاجَتُك فَإِنِّي مَشْغُولٌ فَقُلْت لَهُ وَمَا شَغَلَك؟ قَالَ أُبَادِرُ خُرُوجَ رُوحِي وَقَالَ غَيْرُهُ جِئْت إلَى شَيْخِي لِأُسَلِّمَ عَلَيْهِ فَخَرَجَ فَسَلَّمْت عَلَيْهِ فَرَأَى فِي كِسَائِي عُقْدَةً فَقَالَ مَا هَذِهِ فَقُلْت أَخِي فُلَانٌ أَعْطَانِي لُوَيْزَاتٍ عَزَمَ عَلَيَّ أَنْ أُفْطِرَ عَلَيْهَا فَقَالَ لِي وَأَنْتَ تَظُنُّ أَنَّك تَعِيشُ إلَى الْمَغْرِبِ وَاَللَّهِ لَا كَلَّمْتُك بَعْدَهَا أَبَدًا، أَوْ كَمَا قَالَ.
وَكَمَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهِ فَوَجَدُوهُ يَتَلَفَّتُ يَمِينًا وَشِمَالًا فَقَالُوا لَهُ لِمَنْ أَنْتَ تَتَلَفَّتُ قَالَ لِمَلَكِ الْمَوْتِ أَنْظُرُ مِنْ أَيِّ نَاحِيَةٍ يَأْتِي لِقَبْضِ رُوحِي
وَلِمَصَالِحِ الْإِنْسَانِ مَلَائِكَةٌ عَدِيدَةٌ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ لِحِفْظِهِ وَحِرَاسَتِهِ وَالِاعْتِنَاءِ بِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا نَامَ فَهُوَ مَحْرُوسٌ مِنْ الْخَشَاشِ وَالْجَانِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَمَا ذَاكَ إلَّا لِحِرَاسَتِهِ بِالْمَلَائِكَةِ الْمُوَكَّلِينَ بِهِ، وَإِنْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ أَمْرًا تَخَلَّوْا عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ دَلِيلُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد: ١١] وَمِنْ مُسْنَدِ ابْنِ قَانِعٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «وَكَّلَ اللَّهُ بِالْعَبْدِ سِتِّينَ وَثَلَاثَمِائَةِ مَلَكٍ يَذُبُّونَ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ بِالْبَصَرِ سَبْعَةُ أَمْلَاكٍ وَلَوْ وُكِلَ الْعَبْدُ إلَى نَفْسِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ لَاخْتَطَفَتْهُ الشَّيَاطِينُ» انْتَهَى.
فَإِذَا نَظَرَ الْعَبْدُ إلَى هَذِهِ الْحِكَمِ تَبَيَّنَ لَهُ قَدْرُ نِعَمِ الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَيْهِ إذْ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَحْفَظُهُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَتَحْرُسُهُ بَعْدَ الْمَمَاتِ كَمَا وَرَدَ فِي الْخَبَرِ «أَنَّ الْحَفَظَةَ تَصْعَدُ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَتَقُولُ يَا رَبَّنَا وَكَّلْتَنَا بِعَبْدِك فُلَانٍ، وَقَدْ مَاتَ وَأَنْتَ أَعْلَمُ، أَوْ كَمَا قَالَ فَمَا نَفْعَلُ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute