للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصُّلَحَاءِ جَعَلُوا يَشْكُونَ لَهُ مَا نَزَلَ بِهِمْ وَيَطْلُبُونَ مِنْهُ مَا يُؤَمِّلُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَهْلِ، وَالْأَقَارِبِ، وَالْمَعَارِفِ فَعَلُوا مِثْلَ ذَلِكَ وَجَلَسُوا يَتَحَدَّثُونَ مَعَهُ وَيَذْكُرُونَ لَهُ مَا حَدَثَ لَهُمْ بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ عَرُوسًا، أَوْ عَرُوسَةً كَسَوْا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا كَانَ يَلْبَسُهُ فِي حَالِ فَرَحِهِ فَيَكْسُونَ الْمَرْأَةَ ثِيَابَ الْحَرِيرِ وَيُحَلُّونَهَا بِالذَّهَبِ وَيَجْلِسُونَ يَبْكُونَ وَيَتَبَاكَوْنَ وَيَتَأَسَّفُونَ، وَهَذِهِ أَشْيَاءُ مُتَنَاقِضَةٌ كُلُّ ذَلِكَ مِمَّا سَوَّلَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ فِي نُفُوسِهِمْ، وَهَذَا الَّذِي يَصْنَعُونَهُ مِنْ الْكِسْوَةِ عَلَى الْخَشَبَةِ فِيهِ تَشَبُّهٌ فِي الظَّاهِرِ بِالنَّصَارَى فِي كِسْوَتِهِمْ لِأَصْنَامِهِمْ، وَالصُّوَرِ الَّتِي يُعَظِّمُونَهَا اخْتِلَاقًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ فِي مَوَاسِمِهِمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِي التَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْأَدْيَانِ الْبَاطِلَةِ مِنْ الْخَطَرِ، وَفِي ذَلِكَ مَقْنَعٌ.

وَقَدْ كَانَ بَعْضُ مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ مِمَّنْ يُنْسَبُ فِي الظَّاهِرِ إلَى الْمَشْيَخَةِ، وَالْهِدَايَةِ وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ بَعْضُ أَهْلِ الْوَقْتِ مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا وَفَعَلَ فِي زَاوِيَتِهِ بِالْمَقَابِرِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ الْوَقُودِ بِالْجَامِعِ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ الشَّرِيفَةِ حَتَّى صَارَ النَّاسُ يَخْرُجُونَ إلَى ذَلِكَ قَصْدًا وَيَتْرُكُونَ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْوَقُودِ فِي الْبَلَدِ لِاشْتِمَالِ مَا عِنْدَهُ مِنْ الزِّيَادَاتِ عَلَى مَا فِي الْجَامِعِ لِتَحْصِيلِ أَغْرَاضِهِمْ الْخَسِيسَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُمْ تَنَاوُلُ تِلْكَ الْأَغْرَاضِ فِي الْبَلَدِ وَسَمَّى هَذِهِ اللَّيْلَةَ لَيْلَةَ الْمَحْيَا، وَإِنْ كَانَ هَذَا الِاسْمُ يَلِيقُ بِهَا لَكِنْ فِي الْعِبَادَةِ، وَالْخَيْرِ، وَالتَّضَرُّعِ إلَى الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَطَلَبِ الْفَوْزِ بِطَاعَتِهِ، وَالنَّجَاةِ بِفَضْلِهِ مِنْ مُخَالَفَتِهِ وَمَعَاصِيهِ لَا بِمَا يَفْعَلُهُ هُوَ وَمَنْ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ وَأَمْثَالُهُمْ، وَصَارَ الرِّجَالُ، وَالنِّسَاءُ يَجْتَمِعُونَ عِنْدَهُ وَتَمَادَى ذَلِكَ وَاشْتَهَرَ حَتَّى صَارَ عَادَةً لَهُمْ فَبَقِيَ النَّاسُ يَهْرَعُونَ لِذَلِكَ رِجَالًا وَنِسَاءً وَشُبَّانًا وَنَصَبُوا الْخِيَامَ خَارِجَ الزَّاوِيَةِ لِكَثْرَةِ الْخَلْقِ وَزَادَتْ مُخَالَفَةُ السُّنَّةِ بِذَلِكَ وَكَثُرَتْ الْبِدَعُ وَوَقَعَ الضَّرَرُ لِمَنْ حَضَرَ ذَلِكَ الْمَوْطِنَ مِنْ الْأَحْيَاءِ وَلِمَنْ فِيهِ مِنْ الْأَمْوَاتِ فَحُصُولُ الضَّرَرِ لِلْأَحْيَاءِ بِحُضُورِ ذَلِكَ وَاسْتِحْسَانِهِ. وَحُصُولُ الضَّرَرِ لِلْأَمْوَاتِ بِمَا يُشَاهِدُونَهُ مِنْ الْأَحْوَالِ الرَّدِيئَةِ، إذْ أَنَّهُمْ فِي دَارِ الْحَقِّ وَيَعْظُمُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ الْأَحْيَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>